حرق القمامة والاستجابة المتأخرة
كررنا في الأعداد السابقة من قاسيون الحديث عن أزمة تراكم القمامة الخانقة التي تشهدها مدينة جرمانا، وعموم ريف دمشق منذ أشهر، حيث لم تُنفذ خلال الفترة السابقة أي حلول جذرية أو حتى مؤقتة في هذا الخصوص، بل يبدو وكأن الأمر– بعد استنفاد كل الذرائع من نقص المحروقات والآليات– أصبح مزاجياً.
فما تعيشه المدينة من أزمة قمامة متصاعدة بات نموذجاً صارخاً لإدارة الأزمات بشكل فاشل، حيث تحولت الشوارع إلى مكبات مفتوحة وقِبلة للأمراض والمخاطر البيئية. ولتكتمل «فرحة» الأهالي، بدأ مسلسل حرق تلال القمامة في المكب المؤقت الواقع على أطراف المدينة، وبوسط أحيائها.
تداعيات وخيمة لحرق القمامة
مع البدء بحرق القمامة أخذت الأزمة منحىً أكثر خطورة، وبات حلّها ملّحاً وضرورياً. فقد أصبحت الأجواء ليلاً مثقلة بسحابة من السموم القاتلة، الناتجة عن حرق المواد البلاستيكية والعضوية، التي تستقر في الجهاز التنفسي والبيئة المحيطة؛ ما دفع السكان ورغم الحر إلى إغلاق أبوابهم ونوافذهم، ومقاساة الحرارة داخل المنازل بلا متنفس وبلا كهرباء.
فعلى المدى القصير، تتسبب هذه الانبعاثات بأمراض تنفسية حادة ومزمنة، وتفاقم حالات مرضى الربو. أما على المدى الطويل، فإنها ترتبط بزيادة معدلات السرطان. بالإضافة إلى أن العيش في بيئة ملوثة بالقمامة، واستنشاق الروائح الكريهة يومياً، ومشاهدة الحشرات تتوالد في كل زاوية، هي عوامل تثير الشعور بالاشمئزاز واليأس والقلق.
أما الحديث عن التهديد الذي يشكله الوضع الراهن على النظام البيئي الهش أساساً، فيبدو وكأنه من عالمٍ آخر؛ فلا يبدو أن تسرب المواد السامة إلى التربة والمياه وما يلحقه ذلك من أضرار لا رجعة فيها، أولوية لدى المعنيين.
من المسؤول؟
يعكس الوضع الذي يعيشه عموم الريف، واللجوء أخيراً إلى الحرق بوصفه الوسيلة الأسرع للتخلص من تراكم النفايات، أن التخبط وانعدام التخطيط هو سيد الموقف، إن لم نقل الإهمال واللامبالاة.
وفي ظل محدودية آليات عمل المجالس المحلية، وغياب الرقابة، تقع المسؤولية الأساسية على مديرية النظافة في محافظة ريف دمشق. فهي الجهة المخولة بوضع الخطط لجمع النفايات والتخلص منها بطرق آمنة وصحية. وهي من يتوجب عليها توفير البنية التحتية اللازمة، من حاويات وشاحنات جمع ومواقع مخصصة للمعالجة أو الطمر الصحي، بالإضافة إلى وضع جداول زمنية منتظمة لعمليات الجمع والتنظيف.
حجم الاستجابة
في تطور جديد تم الاتفاق بين مجلس مدينة جرمانا ولجنة تنمية كشكول على البدء بإخماد البؤر التي لا تزال مشتعلة، لتبدأ بعدها عملية ترحيل التراكمات التي قُدرت بـ 400 طن، وستستغرق مدة الترحيل شهراً كاملاً.
ورغم أنه لم يحدد توقيت بدء العمل إلا أن ذلك يُعد خطوة جيدة إذا ما ترافق مع خطط للترحيل اليومي وعمليات التنظيف، ومنع تراكمات مشابهة في المستقبل. ولكن ذلك لا يغني عن وضع خطط على المدى الطويل، عبر الاستثمار في التقنيات الحديثة وإنشاء محطات متطورة لمعالجة النفايات وإعادة تدويرها؛ فهذه التقنيات لا تقتصر على معالجة الأزمة الراهنة، بل يمكن أن تتحول إلى موارد قيّمة، مثل الأسمدة العضوية، ومحطات تحويل النفايات إلى طاقة.
فأزمة القمامة ليست قدراً محتوماً، حتى تعجز القدرات عن حلّها واللجوء إلى التخلص منها عبر الحرق وهو أسوأ الخيارات، قبل أن يحصل السكان على استجابة متأخرة، بل هي نتيجة لسياسات خاطئة وإدارة متخبطة.
ما تحتاجه جرمانا وغيرها اليوم هو إرادة رسمية حقيقية ومساءلة للجهات المعنية، ومشاركة مجتمعية فاعلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244