أزمة القمامة في جرمانا... كارثة بيئية وصحية
لم تعد ما تشهده مدينة جرمانا منذ ما يزيد عن 8 أشهر مجرد أزمة قمامة عابرة، بل بإمكان الداخل إليها من المخيم وانتهاء بشارع النسيم أن يدرك مباشرة حجم الكارثة البيئية والصحية التي تعيشها المدينة.
وليست العوائق التي تُساق رسمياً لتبرير هذا التقاعس سوى حجج وذرائع لم يعد بمقدورها تمويه وتجميل الوضع الخدمي المنهار.
شلل مجلس المدينة
لطالما عانت المدينة ومنذ زمن من افتقار البلدية للآليات الكافية والمشتقات النفطية، والإرادة طبعاً، بالإضافة إلى أوجه الفساد الإداري وفساد المعتمدين لإتمام عمليات الترحيل. وبدلاً من معالجة هذه الأزمة لمساعدة الناس وتحسين واقعهم وتعزيز دور المجالس المحلية، فضلت السلطة الجديدة نقل المعدات كافة إلى مديرية النظافة في محافظة ريف دمشق، ما أدى إلى شللٍ تام في القدرة على تقديم الخدمات.
ولم يقتصر تأثير هذا القرار على تدهور الخدمات كافة، بل جعل المدينة رهناً بأجهزة دولة بعيدة، لا تعاني رائحة العفن التي يعايشها سكان جرمانا.
نقص المشتقات... ذريعة كل يوم
أصبحت ذريعة نقص المشتقات النفطية في عيون الأهالي أشبه بإهانة لعقولهم، فهم تضامنوا وتبرعوا واشتكوا وقدموا عرائض علّ المحافظة تعلن عن تخصيص ميزانية استثنائية مثلاً لشرائها أو خطة من نوع ما. وتفرّع عن تساؤلهم البديهي عن غياب المحافظة أسئلة أخرى أعمق حول أولوية صحتهم وكرامتهم في جداول الحكومة.
أما مُصادرة الآليات وتفريغ البلدية من الكوادر يكشف أن المشكلة ليست في الإمكانيات المادية أو البشرية فقط، بل في التخطيط العشوائي وغياب الإرادة الرسمية.
فوضى تعدد الجهات
رغم بحث الأهالي عن أيّ جهةٍ كانت لتزيل من شوارعهم وأحيائهم القمامة المتراكمة، إلا أن المدينة باتت أشبه بحلبة تجارب عشوائية. فتارةً يكنس الشوارع مجموعات أهلية تابعة للكنيسة، وفي أيام متباعدة تأتي مديرية النظافة لترحل ما تراه مناسباً فقط، أو ربما ما تعثر عليه في طريقها، أما الأحياء الداخلية فلها الدعاء، وتارةً أخرى يأتي الدفاع المدني بنفسه ليرحل القمامة، في مشهد يكرس نهج الاعتماد على الحلول المؤقتة والمسكنات.
وأما أحد الأوجه الفاضحة لهذه الأزمة فهو تراكم القمامة حول الحاويات ومن كل الجهات، وعدم مراعاة إزالتها أثناء ترحيل ما بداخل الحاويات التي فاضت عن قدرتها الاستيعابية، ما يعكس فشلاً ذريعاً ليس بتزويد المدينة بعدد إضافي من الحاويات فقط، بل في غياب نظام جمع فعّال ومنتظم، وغياب آليات واضحة للتعامل مع الزيادة المطردة في حجم النفايات. إضافة إلى ضعف الرقابة والمحاسبة، حيث لا توجد جهة واضحة تتحمل المسؤولية عن هذا الإهمال وتُحاسب عليه.
استحقاق لا مفرّ منه
إن آلية الترحيل المتباعدة والمحدودة، لا تليق بقرية صغيرة، فيما تحتاج مدينة بحجم وتعداد سكان جرمانا إلى نظام ترحيل يومي، وحتى مرتين في اليوم الواحد، وعملية تنظيف شاملة. وهذا الحل ليس مستحيلاً، بل يتطلب إرادة رسمية حقيقية وإعادة تفعيل لمجلس المدينة وتمويله، وإعطاءه كل الصلاحيات التي تمكنه من التعامل بجدية وفعالية مع أزمات المواطنين.
فإن صبر السكان الذي طال على مشهد القمامة الذي بات جزءاً من معالم المدينة، ويشكل حالة مهانة يومية، لا يعني الرضا بحال من الأحوال، بقدر ما هو تعبير عن إحباط عميق وشعور بالعجز أمام منظومة رسمية تفتقر إلى أدنى مقومات التخطيط والإدارة الفعالة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1243