كورنيش اللاذقية الجنوبي وخصخصة المرافق العامة
سلمى صلاح سلمى صلاح

كورنيش اللاذقية الجنوبي وخصخصة المرافق العامة

بدأ مجلس مدينة اللاذقية ما أسماه أعمال «إعادة تأهيل» وترميم للكورنيش الجنوبي ضمن حملة «اللاذقية نحن أهلها»، وذلك لرفع جودة الخدمات السياحية وتأمين وصول آمن ومريح للمواطنين إلى الشاطئ.

ولكن عند المواطنين تحديداً تبدأ المشكلة، فالكورنيش الجنوبي الذي بات أحد أماكن التنزه القليلة الباقية لأهل المدينة، أصبح اليوم ساحة لانتشار المقاهي العشوائية، التي حجبت أي إطلالة على البحر.

استثمار المرافق العامة

أثار التوجه نحو استثمار الكورنيش وتحويله إلى مشاريع خاصة العديد من الإشكاليات، والتي تتجاوز الجانب الاقتصادي لتمس حق السكان في الاستفادة من مرافق المدينة وخدماتها ومساحاتها العامة.

فتحويل الكورنيش من فضاء متاح للجميع إلى سلسلة من المقاهي لا يستطيع ارتيادها إلا المقتدرون، هو حرمان واضح لشريحة واسعة من السكان والزوار من حقهم المشروع في الوصول المجاني إلى المناطق البحرية. بالإضافة إلى أن المساحات العامة هي جزء من النسيج الحضري للمدينة، وخصخصتها يفقدها وظيفتها الأساسية كأماكن للتفاعل الاجتماعي، وتصبح بذلك سلعة تُباع وتشترى، ما يزيد من شعور المواطنين بالإقصاء والتهميش.

مساحات مميزة لمن معه

يؤدي هذا التوجه إلى حرمان الأسر محدودة الدخل من أماكن الترفيه المجاني. فعندما تصبح هذه المساحات عبارة عن مناطق تجارية، وتغدو زيارتها مرتبطة بالقدرة الشرائية، تتحول إلى عبء إضافي، يحرم المواطنين من حقهم الأساسي في الترفيه والاستمتاع بالمرافق العامة المقامة أصلاً لخدمة الجميع.

وبالإضافة إلى حرمان المواطن العادي من الجلوس أو التنزه بشكل مجاني، غلب على المقاهي الجديدة المقامة طابع الفوضى أكثر من الجمالية وإعادة التأهيل، فأصبحت مكتظة باللافتات والمقاعد التي تسد الممرات، بالإضافة إلى زيادة أعداد السيارات المركونة على طرف الطريق والتي زادت من مستويات الضوضاء والتلوث، مما أفقد المكان دوره كملاذ للهدوء، وحوله إلى مصدر للإزعاج.

ما الذي يريده السكان فعلاً؟

لن نجد مواطناً في طول البلاد وعرضها لا يرغب في تأهيل الشوارع، وتجميل الطرقات، وفي الوقت نفسه، لا تعني التنمية للغالبية العظمى من السوريين حرمانهم من فضاء عام، يحتضن ذكرياتهم، ويشهد على حياتهم اليومية، ويؤمّن لهم أبسط أشكال الترفيه، لصالح بنية تحتية تجارية.

ومن هذا المنطلق، تتجلى مطالب السكان في الحفاظ على الطابع العمومي للكورنيش، وتطويره بما يخدم المصلحة العامة وإبقائه ملكية عامة مشتركة من دون تمييز أو إقصاء. فالتطوير والتأهيل بالنسبة لهم يأتي عبر توفير مقاعد عامة ومساحات مفتوحة، والاهتمام بالنظافة وإنارة الشوارع، بالإضافة إلى الحفاظ على الطابع الجمالي والترفيهي المجاني.

وفي حين تعكس هذه المطالب وعياً بأهمية هذه المساحة الحيوية ودورها في تعزيز جودة الحياة في المدينة، فإن ضرورة الاستجابة لها ليس مجرد تلبية لرغبات المواطنين، بل بداية التوجه نحو سياسة لا تفضل الربح الخاص على المصلحة العامة وحقوق المواطنين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243