خبز بالدَّين... رغيفٌ يُطاردنا كظل الجوع
أيُّ زمنٍ هذا الذي صار فيه الخبز ديناً، والكرامة سطوراً في دفتر معتمد؟ أيُّ وطنٍ هذا الذي تُقاس فيه حياة الإنسان بربطة خبزٍ مؤجلة، يُسجَّل ثمنها كدين على الفقير، كأننا أسرى في سوقٍ بلا رحمة؟
رغيفٌ مثقوب بالديون
في قرى الساحل، صار الرغيف حملاً ثقيلاً. أرغفةٌ محبوسة في دفاتر الديون، تُسجَّل بالرصاص على الورق، كأنها جراح جديدة على جسدٍ مثخن.
بعض المعتمدين غرقوا حتى عشرات الملايين من الديون، والسمانة يملكون دفاتر أطول من لائحة الجوعى. لكن سقف الصبر لن يبقى مفتوحاً إلى الأبد، وسيأتي يومٌ ينغلق فيه الباب حتى بوجه المستدين. وحينها، لن يجد الفقير من يقرضه حتى لقمة يسدّ بها رمق أطفاله.
حرائق الأرض وحرائق الروح من أين يسددون؟
المواسم أُحرقت. الزيتون صار رماداً، والبرتقال نثرته النار، والتبغ تبخر مع الريح.
الأرض التي كانت ملجأهم الأخير، لم تعد سوى شاهد على الخراب.
فوق ذلك، جاء التسريح التعسفي ليقتلعهم من وظائفهم، كأنما يُقال لهم: لا عمل، لا أرض، ولا خبز إلا بالدَّين. وكأن النار لم تكتفِ بالأشجار، بل امتدت لتحرق أرواح الناس وآمالهم.
الجوع فوق الانتهاك
ولم يتوقف الأمر عند الفقر والحرائق والبطالة. بل زادت الجراح مع الجرائم والانتهاكات التي طالت الناس في حياتهم وأمنهم وأرضهم. جوعٌ فوق إذلال، وانكسار فوق عوز. أيّ قلب يحتمل كل هذا الثقل؟ أيُّ جسد يبقى واقفاً أمام هذا الطوفان؟
حكومة الغياب
الحكومة التي تتحدث عن «التنمية» و«الازدهار»، هل تنظر في عيون الذين يستدينون رغيفاً؟
هل تسمع صوت النساء وهنّ يطلبن من البائع أن «يسجّل حتى الغد»؟
هل تدرك أن المواطن صار يُطارد يومه كمن يُطارد سراباً في صحراء؟
الحكومة التي لم تعد قادرة على حماية لقمة الخبز، فقدت حقها في أن تُسمّى حكومة.
مبادرات كشموعٍ في عاصفة
نعم، هناك مبادرات فردية، أيادٍ خيّرة تحاول أن تُسدّد بعض الثغرات. لكنها مثل شموع في وجه العاصفة، تضيء لحظة وتخبو أمام هول الريح.
فهي لا تعالج الجرح، بل تُخفي نزيفه قليلاً، ريثما ينفجر من جديد.
المجاعة القادمة
اليوم يُستدان الخبز. غداً لن يجد الناس حتى من يستدينون منه. هذه ليست نبوءة، بل حقيقة تسير إليها البلاد بخطاً واثقة. وما لم تُبْنَ شبكة أمان اجتماعي حقيقية، وما لم يُعاد النظر في السياسات التي سرّحت وشردت وأحرقت، فإن المجاعة ستصبح وجه الصباح في بيوت الساحل وكل سورية.
صرخة الرغيف
أيها المسؤولون: الرغيف ليس سلعة تُدار بقرارات باهتة.
فالرغيف حياة، والرغيف كرامة، والرغيف الذي يُستدان اليوم، هو شهادة إدانة عليكم جميعاً.
فإن لم تسمعوا صرخته الآن، فسيأتي يوم يكتب فيه التاريخ أنكم جعلتم السوري يستدين حتى لقمة عيشه، وتركتموه يموت واقفاً على باب الفرن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1242