اقتصاد السوق الحر بين الشعار والواقع... الفقراء هم الضحية

اقتصاد السوق الحر بين الشعار والواقع... الفقراء هم الضحية

بعد سقوط سلطة الأسد، أعلنت الحكومة الانتقالية في سورية أنها ستعتمد شعار «اقتصاد السوق الحر التنافسي». في الظاهر، هذا الشعار يَعِدُ بتحسين المعيشة- تشجيع الاستثمار- وفتح فرص عمل جديدة. لكن عندما ننظر إلى الواقع السوري اليوم، نجد أن هذا التوجه لم ينعكس إيجاباً على حياة الناس، بل زاد من أعباء الفقراء.

اقتصاد الظل... الدولة الخفية

خلال سنوات الحرب، نشأ وتضخم ما يعرف باقتصاد الظل، تجارة غير رسمية- تهريب- سوق سوداء للمحروقات والمواد الغذائية- تحويلات مالية غير منظمة.
هذا الاقتصاد بات اليوم أقوى من الاقتصاد الرسمي، تديره شبكات مصالح و«تجار حرب» وميليشيات، وغالباً بعيداً عن رقابة الدولة.
عندما رفعت الحكومة شعار السوق الحر، كان من المفترض أن تدخل المنافسة لتحمي المستهلك وتخفض الأسعار. لكن ما حصل هو العكس:
أصحاب اقتصاد الظل هم أول من استغل هذا الانفتاح.
تحولت المنافسة إلى احتكار، والسلع الأساسية بقيت بيد قلة تتحكم بالعرض والأسعار.

كيف انعكس ذلك على الفقراء؟

غلاء فاحش، ففتح السوق دون رقابة ولا دعم اجتماعي أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. والأسر الفقيرة التي كانت تعتمد على دعم الدولة أصبحت عاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية.
وظائف بلا أمان وفصل تعسفي، فبدل أن تفتح الحكومة باب التوظيف في مرحلة انتقالية حرجة، لجأت إلى إجراءات فصل تعسفي في بعض المؤسسات الرسمية، ما زاد من أعداد العاطلين عن العمل. ومعظم فرص العمل الجديدة (على قلتها ومحدوديتها) تتركز في القطاعات غير الرسمية، أي بلا ضمان اجتماعي أو صحي. وهذا يعني أن العامل البسيط يظل معرضاً للاستغلال أو الطرد في أية لحظة.
اتساع الفجوة الاجتماعية وتزايد الفقر، فبينما يزداد ثراء كبار التجار والمحتكرين، تتراجع الطبقة الوسطى، وتتضاعف أعداد الفقراء. والإحصاءات الميدانية تشير إلى أن نسبة كبيرة من السوريين باتت تحت خط الفقر، فيما يزداد الاعتماد على المساعدات والتحويلات الخارجية.

تغييب دور الدولة

في النظريات الاقتصادية، اقتصاد السوق الحر لا يعني غياب الدولة، بل تحول دورها إلى ضبط المنافسة وحماية الفئات الأضعف.
لكن في سورية، بدا أن الشعار ترافق مع انسحاب فعلي لدور الدولة، فلا حماية من الفصل التعسفي، ولا رقابة على الأسعار، ولا دعم حقيقي للسلع الأساسية.
بهذا الشكل، تحول «السوق الحر» إلى سوق منفلت، يدار لصالح الأقوياء، بينما تُرك المواطن العادي وحيداً في مواجهة الأزمات.

بين النظرية والواقع

من الناحية النظرية فإن اقتصاد السوق الحر التنافسي يفترض وجود:
قوانين عادلة تحمي المنافسة.
مؤسسات قوية تراقب الاحتكار.
شبكات أمان اجتماعي للفئات الأضعف.
لكن في سورية، هذه الشروط غائبة. وبالتالي، ما حصل لم يكن «اقتصاد سوق حر تنافسي»، بل انتقالاً من سيطرة الدولة الشكلي السابق إلى سيطرة شبه مطلقة لاقتصاد الظل، مع تغييب كامل لمؤسسات الدولة التي يُفترض أن تحمي الناس.

الشعارات التي تبقي السوريين تحت رحمة اقتصاد الظل

ربما يبدو الشعار جميلاً، لكن الواقع مُرّ. فتبنّي اقتصاد السوق الحر في بلد يهيمن عليه اقتصاد الظل، ويعاني من الفصل التعسفي وتزايد البطالة والفقر، جعل الفقراء أكثر فقراً، والمهمشين أكثر تهميشاً.
ولذلك، فإن أي إصلاح اقتصادي حقيقي لا يمكن أن ينجح ما لم يبدأ أولاً بـ:
محاربة الفساد والاحتكار.
وقف سياسات الفصل التعسفي وتوسيع فرص العمل المنتظم.
تنظيم السوق ودمج اقتصاد الظل في الاقتصاد الرسمي.
حماية الفئات الأضعف بشبكات دعم فعالة.
من دون ذلك، ستبقى الشعارات مجرد حبر على ورق، وستبقى حياة السوريين العاديين رهينة بيد قوى الظل وغياب الدولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242