الليرة السورية... تحسن على الورق رسمياً ومعاناة في الجيوب

الليرة السورية... تحسن على الورق رسمياً ومعاناة في الجيوب

في لقاء متلفز نهاية آب 2025، أكد حاكم المصرف المركزي السوري عبد القادر الحصرية أن الليرة شهدت تحسناً بنحو 35% منذ سقوط النظام البائد، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. هذا التصريح تكرر أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، ويُقدَّم كإنجاز حكومي بارز. لكن نظرة معمقة على واقع الأسواق تكشف أن هذا «التحسن» بقي محصوراً في الأرقام الرسمية ولم ينعكس فعلياً على حياة المواطنين.

السعر الرسمي... إنجاز رقمي فقط

بحسب المركزي، يبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار نحو 11 ألف ليرة، في حين يسجل سعر السوق الموازي– وهو المرجع الفعلي لمعظم عمليات البيع والشراء– نحو 10800 ليرة.

المفارقة أن السعر الموازي أقل من السعر الرسمي، ما يجعل التصريف عبر القنوات غير الرسمية الخيار الوحيد أمام المواطن، بعد أن أغلق المركزي أبوابه أمام التصريف المباشر أو استقبال الحوالات.

السلع تُسعَّر بدولار أعلى بكثير

لا ينعكس هذا «التحسن» على الأسعار. فالسلع الأساسية تسعَّر فعلياً على أساس 15 ألف ليرة للدولار وسطياً، أي أعلى بكثير من السعرين الرسمي والموازي.

فالواقع العملي يقول إن المواطن يتعامل مع «سعر ثالث» غير معلن، لكنه الأكثر قسوة على حياته اليومية.

المواطن يُنهب مرتين

بهذا المشهد، يتعرض المواطن لنهب مزدوج:

المرة الأولى: عند تصريف الدولار أو استلام الحوالات في السوق الموازي بسعر أدنى من السعر الرسمي، نتيجة إغلاق قنوات المركزي.

المرة الثانية: عند شراء السلع التي تُسعَّر بدولار أعلى من كل من الرسمي والموازي.

سياسات المركزي وتكريس «سعر التحوط»

لا تقف المشكلة هنا فقط، بل إن إجراءات المركزي نفسها ساهمت بشكل مباشر في تكريس ما يمكن تسميته «بسعر التحوط» للدولار عند تسعير السلع، ومنها:

  • سياسات تجفيف السيولة.
  • سقوف السحب النقدي.
  • والتمويل المحدود جداً.

والتي أدت إلى زيادة حالة عدم اليقين، فاضطر التجار والموردون لتسعير بضائعهم وفق سعر أعلى (15 ألف ليرة للدولار) تحسباً لأي تقلب أو شح جديد في السوق.

من أجل تخفيض حقيقي لسعر الصرف

لكي يمارس المصرف المركزي دوره المفترض كحامٍ للاستقرار النقدي، ولكي يتحول تخفيض سعر الصرف من مجرد إنجاز ورقي إلى واقع ينعكس على حياة المواطنين، هناك جملة من الخطوات الأساسية التي يمكن تنفيذها، ومنها:

  • إعادة فتح قنوات التصريف الرسمية لاستقطاب الحوالات والقطع الأجنبي، بما يضمن سعراً عادلاً ويحد من هيمنة السوق الموازي.
  • ضبط آليات التسعير عبر ربطها بسعر صرف واقعي وشفاف، مع رقابة صارمة على التجار والمستوردين.
  • زيادة عرض الدولار في السوق من خلال دعم الصادرات وتسهيل دخول القطع الأجنبي.
  • توسيع عمليات التمويل التجاري والإنتاجي بما يدعم الدورة الاقتصادية ويخفف الحاجة إلى سعر «تحوطي».
  • اعتماد سياسة نقدية مرنة وشفافة تستند إلى معطيات السوق، لا إلى إجراءات إدارية معزولة.

التكامل مع السياسات الاقتصادية العامة

لكن هذه الخطوات لن تكون كافية وحدها. إذ يجب أن تترافق مع سياسات اقتصادية عامة تعزز الاقتصاد الحقيقي كضمانة أساسية لقوة العملة، وذلك من خلال:

  • دعم القطاع الزراعي لتأمين الأمن الغذائي وتقليل الاستيراد.
  • تحفيز القطاع الصناعي والإنتاجي لزيادة الصادرات وجلب القطع الأجنبي.
  • تشجيع الاستثمار المحلي والخارجي في مشاريع إنتاجية طويلة الأمد.

فاستقرار الليرة لا يمكن أن يتحقق عبر أدوات نقدية وإجرائية فقط، بل يحتاج إلى اقتصاد قوي وفعّال يكون الداعم المباشر والحقيقي لقيمة العملة الوطنية.

ورقٌ متحسن... وجيوبٌ منهكة

قد يكون «تحسن» الليرة بنسبة 35% إنجازاً في دفاتر المركزي، لكنه يظل بعيداً عن الواقع المعيشي.
فالمواطن اليوم يعيش بين ثلاثة أسعار متناقضة:

  • السعر الرسمي: 11 ألف ليرة للدولار.
  • السعر الموازي: 10800 ليرة للدولار.
  • سعر تسعير السلع: 15 ألف ليرة للدولار.

وبين هذه الهوامش، يُنهب المواطن مرتين، فيما تزيد سياسات المركزي من ترسيخ هذا الواقع.

بالمقابل يمكن القول إن الإصلاحات النقدية المترافقة مع سياسات اقتصادية إنتاجية هي وحدها القادرة على تحويل التحسن من مجرد أرقام على الورق إلى استقرار حقيقي يلمسه الناس في حياتهم اليومية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1241