مسرحية ارتفاع الأسعار من جديد... أما آن وان للتوقف عن المتاجرة بلقمة عيش المواطن؟الأ!
أتى وعد الوعود المرتقب، وصُرفت رواتب شهر آب بعد الزيادة التي أصدرتها الحكومة بنسبة 200% في تاريخ 19 حزيران، ومن المفترض أن تتصدر الفرحة المشهد، لكن شبح الذكريات السيئة للزيادات السابقة ما زال يطارد السوريين، وسرعان ما أحكم قبضته على الواقع وأعادهم إلى المشهد المعتاد. ليجدوا أنفسهم أمام موجة غلاء وارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية وحتى الخضار والفواكه، فتتبخر الزيادة وتتحول إلى مجرد رقم على الورق يُستهلك قبل أن يُصرف.
فبدأت الأسعار بالارتفاع دون تدخل حكومي لضبطها أو كبح توقعات التضخم، غير مصغية لتصريحات عدد من الوزراء وتأكيدهم بأنه لا ارتفاع للأسعار وللأعباء المعيشية، ضاربة بتطميناتهم عرض الحائط!
ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية
شهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً ملحوظاً بأسعار السلع وخاصة المواد الغذائية الأساسية، ومن خلال سبر لبعض الأسعار، فقد ارتفع سعر ليتر زيت عباد الشمس من 16 ألف ل.س إلى نحو 20 ألفاً، بينما سجل كيلو الرز المصري 12 ألف ل.س تقريباً، والسكر ارتفع من 7- 9 آلاف ل.س، كذلك سجلت أسعار البن والمنظفات زيادات متفاوتة، وكل بائع حسب مزاجه.
كما شهدت أسعار الخضار والفواكه ارتفاعات متقلبة، فمثلاً: سعر كيلو الخيار من 8-12 ألف ل.س، وذلك حسب النوعية، وقد وصل سعر كيلو الدراق إلى 15 ألف ل.س تقريباً، بالإضافة إلى البيض حيث سجل سعر الطبق حوالي 33 ألف ليرة سورية مع ارتفاع بأسعار الفروج. وقد عزا بعض الخبراء الارتفاع لسببين، أولهما: توقف استيراد الفروج المجمد وعجز الإنتاج المحلي عن سد الطلب في ظل تراجعه، والثاني: موجة الحر الشديدة التي حلت الأسبوع الفائت وأدت إلى خسارات كبيرة في قطاع الدواجن، فتراجع الإنتاج.
نسبة الزيادة الوسطية تراوحت بين 15-20% وخلال فترة قصيرة، والأسعار تختلف من تاجر إلى تاجر في السوق نفسه، فما بالك بين المحافظات أو حتى بين الريف والمدينة، فكلٌّ يغني على ليلاه!
بينما المواطن يتآكل دخله بسرعة وتنهار قدرته الشرائية تدريجياً.
سناريو زيادة الرواتب وضخ السيولة
زيادة الرواتب الأخيرة وزيادة السيولة، التي كانت شحيحة في يد شريحة كبيرة من المواطنين، زاد من خلالها الطلب على السلع والمواد، لكن المعروض المتحكم به بقي على حاله محدوداً نسبياً، في ظل اقتصاد هش وضعف في الإنتاج المحلي، فتراجعت قيمة الليرة وارتفع سعر الدولار، الذي تسعر به السلع المستوردة والمواد الأولية، وبالتالي ارتفع سعرها وأصبح ارتفاع الأسعار وكأنه أمر حتمي ولا مفر منه.
فبدلاً من تحسين المعيشة وتحريك السوق وإنعاش النشاط الاقتصادي، كما صدحت الحناجر الحكومية، كانت الزيادة عاملاً مسرّعاً لارتفاع الأسعار، في إعادة لسيناريو الماضي وكأن شيئاً لم يكن ولم يتغير!!
سوق حر ورقابة مغيبة
إن السبب الجوهري أيضاً لهذا الانفلات السعري والفوضى غير المبررة، هو التحول نحو اقتصاد السوق الحر في ظل غياب متعمد لأي رقابة تموينية أو ضوابط.
فأسعار المواد والسلع الغذائية باتت ترتفع يومياً، وتُحدد من قبل التجار دون حسيب أو رقيب، بعد أن اعتمدت الحكومة مبدأ السوق الحر التنافسي، مما فتح الباب على مصراعيه أمام استغلال التجار والجشع والطمع غير المبرر للتحكم بالسلع وحركة السوق، حيث تحولوا إلى حيتان تبتلع، في كل فرصة أو أزمة، مقدرات المواطن المفقر لتحقيق مزيد من الأرباح في ظل الفراغ الرقابي والحكومة الداعمة.
التاريخ يعاد والمواطن يزداد فقراً!
مع كل ارتفاع للأسعار، ترتفع معاناة المواطن المفقر بينما تمضي الحكومة بسياساتها الاقتصادية العاجزة وقراراتها غير المدروسة غير مكترثة بنتائجها! ما يزيد الأعباء على كاهل المواطن الذي بات عاجزاً عن تأمين احتياجاته الأساسية ويفاقم الوضع المعيشي سوءاً، رغم التنبيه والتحذير من خبراء واقتصاديين لحتمية ارتفاع الأسعار لكن لا آذان مصغية، أو أنها صُمّت عمداً؟!
فتجاهلت الحكومة أن ما حدث من صنع يديها وبفعل سياساتها، ليكون ارتفاع سعر صرف الدولار الشماعة.
اليوم، التاريخ يعاد، والواضح أن عقلية الماضي تسيطر على المناخ الحكومي بسياساته وقراراته، فلا يكفي التحدث بلغة الإيجابية والواقع عكس ما يقال، وفي المحصلة الواقعة وقعت وارتفعت الأسعار، وزاد المواطن فقراً وغابت التصريحات الرسمية، حتى تلك التي تشدد على حرف السين.
فالمطلوب اليوم حلول إسعافية وإصلاحات هيكلية عميقة وشاملة، لتضمن فعلاً حياة كريمة للمواطن السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240