العمل عن بُعد... نافذة أمل للشباب السوري، لكن واقع الخدمات يُعيق الانطلاقة
في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي عصفت بسورية ولا تزال مستمرة، ومع تدهور سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، بدأ عدد من الشباب السوري يلجأ إلى خيار «العمل عن بُعد عبر الإنترنت» كفرصة لكسب الرزق وتحقيق قدر من الاستقلال المالي، سواء كمصدر دخل أساسي أو إضافي.
ورغم ما يوفره هذا الخيار من مزايا واعدة، قد يراه البعض بوابة مؤقتة لتحسين الظروف المعيشية الصعبة، إلا أن الواقع يفرض وقفة متأنية لإعادة النظر، إذ لا يمكن تجاهل سلسلة التحديات الخدمية واللوجستية التي تعترض هذا المسار، خاصةً في السياق السوري.
ما هو العمل عن بُعد؟ وما الذي يميّزه عن العمل التقليدي؟
العمل عن بُعد يعني إنجاز المهام الوظيفية من خارج المقر الرسمي للعمل، كالشركات أو المؤسسات، بالاعتماد على المهارات الشخصية والاختصاص، إلى جانب تقنيات الاتصال الحديثة. ويتيح هذا النموذج حرية اختيار مكان العمل، سواء من المنزل أو أي مكان آخر، باستخدام الحاسب المحمول أو الهاتف الذكي.
ويتميّز هذا النوع من العمل بمرونة عالية في ساعات العمل، وإمكانية اختيار نوعية المشاريع، ما يمنح الفرد استقلالية ويجعله بمثابة «مدير نفسه»، كما هو الحال مع مصممي الغرافيك أو المبرمجين. كما يسهم في تطوير المهارات الشخصية والمهنية، من خلال تنظيم الوقت، والتفاعل مع عملاء متنوعين وفهم متطلباتهم واحتياجاتهم.
تحديات تهدد الركيزة الأساسية للعمل عن بُعد
الواقع في سورية يجعل تجربة العمل عن بُعد بعيدة عن المثالية. فرغم الإيجابيات، يعاني هذا النموذج من عراقيل متعددة تبدأ من ضعف البنية التحتية داخل المنازل، خاصة مع الانقطاعات المتكررة وغير المنتظمة للكهرباء، ما يعيق إنجاز المهام في وقتها.
وتبرز أيضاً مشكلة ضعف الإنترنت وتكرار الأعطال، وهي العائق الأكبر أمام استمرارية العمل عن بُعد، لكونه يعتمد بشكل أساسي على الاتصال الجيد والمستقر بالشبكة.
هذا الواقع يضطر بعض العاملين إلى محاولة خلق بيئة عمل مناسبة داخل المنزل، عبر الاشتراك بإنترنت أسرع أو تركيب مصادر طاقة بديلة. لكن هذه الحلول مكلفة، وقد تفوق القدرة المادية للغالبية. ولهذا، يتجه كثيرون إلى العمل من أماكن خارجية مهيّأة، تتوفر فيها الكهرباء والإنترنت المستقر، إلى جانب الراحة والهدوء والتكييف، مع كادر خدمي متخصص.
لكن حتى هذه الأماكن ليست مجانية؛ فالساعة الواحدة تُكلّف ما بين 10 إلى 15 ألف ليرة سورية، ورغم أن المبلغ قد يبدو بسيطاً، إلا أن تراكم عدد الساعات، إلى جانب مصاريف الطعام والشراب والنقل، يُثقل كاهل العامل، خصوصاً إذا كانت الأجور التي يتقاضاها بالكاد تغطي هذه النفقات.
وفي ظل قلة فرص العمل أو انعدامها داخل البلاد، لا يجد العامل خياراً سوى الاستمرار في هذه الدوامة، ما يجعله عرضة للاستغلال من قبل أصحاب الأعمال.
والجدير بالذكر أن هذه التحديات تكاد تكون فريدة من نوعها في سورية، ولا تواجهها بيئات العمل عن بُعد في معظم الدول الأخرى.
ضغوط نفسية وغياب الضمانات القانونية
تُضاف إلى هذه التحديات آثار نفسية وصحية ناتجة عن ضغوط العمل والظروف المحيطة به، ما أدى إلى شعور كثير من الشباب بما يشبه «الشيخوخة المبكرة»، بسبب تراكم الأعباء والمسؤوليات.
كما أن غياب الاستقرار المالي في هذا النوع من الأعمال، وعدم وجود أي ضمانات قانونية أو عقود واضحة تحمي حقوق العامل، يزيد من هشاشة هذا النموذج في السوق المحلي.
حتى طلاب الجامعات في مرمى التحدي!
طلاب الجامعات، ولا سيما طلاب الكليات العلمية مثل الهندسة المدنية والمعمارية والهندسة المعلوماتية، ليسوا بمنأى عن هذه التحديات. فمشاريعهم الدراسية تتطلب أدوات ولوجستيات مشابهة للعمل عن بُعد، ما يضطرهم أيضاً للجوء إلى الأماكن المدفوعة لإنجازها.
لكن الفرق هنا أن الطالب غالباً لا يمتلك أي دخل يغطي هذه المصاريف الإضافية، فوق رسوم الجامعة والمحاضرات والمواصلات، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً وإجهاداً.
تساؤلات مشروعة تنتظر إجابات
يبقى السؤال: متى تتحرك الدولة بسياسات واضحة واستراتيجية فعّالة لاستثمار طاقات الشباب ومهاراتهم، وتوفير بيئة عمل مناسبة بأجور مشجعة وتسهيلات لوجستية مقبولة؟
والأهم من ذلك: إلى متى ستبقى أدنى مقومات الحياة- كالكهرباء والاتصال بالإنترنت-عائقاً أمام جميع السوريين، ولا سيما الشباب، في طريق سعيهم نحو حياة كريمة واستقرار مهني؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236