الكهرباء في سورية... واقع متردٍّ ووعود السراب

الكهرباء في سورية... واقع متردٍّ ووعود السراب

رغم الوعود الرسمية المتكررة من الجهات المعنية بتحسين الواقع الكهربائي في سورية، إلا أن الشارع السوري لم يلمس أي تغيير فعلي يُذكر. بل على العكس، ازدادت ساعات التقنين في كل المحافظات، خاصة في المناطق الريفية، في وقت بات فيه التيار الكهربائي أشبه بالزائر العابر، لا يُعوَّل عليه في أي تفاصيل حياتية يومية.

يُعد غياب العدالة في توزيع الكهرباء بين محافظة وأخرى، وبين المدن والبلدات الريفية، أحد أسباب الاستياء الشعبي. ففي حين تنعم بعض المناطق بساعات وصل مقبولة نسبياً، تعاني مناطق أخرى من انقطاع شبه تام، في مشهد يكرّس التمييز ويزيد من معاناة الأهالي، ولا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية خلال فصل الصيف.

أضرار تتجاوز الانزعاج إلى التدمير

الضرر لا يقف عند حدود الانزعاج أو تغيير نمط الحياة اليومية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليطال مختلف مناحي الاقتصاد والمعيشة.

فقد لحقت أضرار فادحة بأصحاب المهن والحرف الذين يعتمدون على الكهرباء في أعمالهم، مثل الورش الصناعية، والحدادين، والنجارين، وأصحاب المحال التجارية، وخاصة بائعي اللحوم والألبان والأجبان، الذين يواجهون خسائر مباشرة نتيجة تلف منتجاتهم بسبب انعدام التبريد.

بالمقابل فإن الحل الذي يُقدَّم للناس اليوم هو: ادفع أكثر! اشترك بالأمبيرات. لكن من يملك القدرة؟

فالأمبيرات ليست متوفرة للجميع، وتكلفتها خيالية لمن يعيش براتب لا يكفي لشراء حاجات يومين. ومن لا يستطيع الدفع، فليحترق، فليعطش، فليأكل طعاماً فاسداً، فليفشل في امتحانه، فليذهب إلى الجحيم.

فالاعتماد على «الأمبيرات» كمصدر بديل للكهرباء لم يكن متاحاً أو مجدياً للجميع، نظراً لارتفاع تكلفته وعدم استمراريته. هذا الأمر دفع العديد من المحال للإغلاق أو تقليص ساعات العمل، ما انعكس سلباً على دخلهم وأمنهم المعيشي.

مياه وانقطاع وأزمات مركبة

الأزمة لم تقف عند حدود الكهرباء وحدها، بل امتدت لتشمل مياه الشرب، حيث تعتمد غالبية مضخات المياه على توفر التيار الكهربائي لتغذية الأحياء السكنية. وفي ظل الانقطاعات الطويلة، أصبح تأمين المياه تحدياً يومياً للأسر، مع لجوئها القسري إلى شراء المياه من الصهاريج بأسعار مرتفعة.

الطلاب في مرمى الإهمال

كما نال طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية نصيبهم من المعاناة، فخلال فترة الامتحانات، وجدوا أنفسهم محرومين من الإنارة اللازمة للدراسة في الليل، ومجبرين على مواجهة حرّ الصيف دون مروحة أو وسيلة تبريد، ناهيك عن عدم توفر مياه باردة في أغلب المنازل.

هل فكر أحد بهم وهم يقضون لياليهم على ضوء شمعة أو هاتف محمول بشحن ناقص؟ هل اهتمت الوزارة بمستقبلهم؟ هل خرج أحد ليقول إن غياب الكهرباء أثناء الامتحانات هو شكل من أشكال القتل البطيء لأحلام هؤلاء؟ لا أحد.

هذا الواقع شكل ضغطاً نفسياً وجسدياً على شريحة من الطلاب يفترض أن تُهيّأ لها ظروف النجاح.

وعود رسمية... لا تسمن ولا تغني

وسط هذا الواقع المتردي، لا تزال التصريحات الرسمية تتوالى، محمّلةً بوعود «تحسينات قريبة»، و«خطط إصلاحية»، و«مشاريع قيد الإنجاز»، إلا أن هذه الوعود لم تتجسد على أرض الواقع. بل أصبحت في نظر المواطن السوري أقرب إلى الخديعة أو «السراب»، الذي لا يزيده إلا عطشاً كلما سمعه.

الناس سئمت. الوعود الرسمية أصبحت مادة للسخرية والتندر، فلا أحد يصدقها، ولا أحد يحترمها.

«مشروع طاقة شمسية»، «محطة جديدة»، «تحسّن قريب»، كل ذلك لا يعني شيئاً في ظل استمرار الذل اليومي. الوعود لم تعد تُقنع حتى مطلقيها. المواطن السوري يريد كهرباء، لا تصريحات. يريد عدالة في التوزيع،

لا شعارات. يريد أن يعيش، لا أن يتحول إلى كائن محروم من أبسط شروط الحياة.

فلا خطط توليد إضافي نجحت، ولا مشاريع الطاقة البديلة خرجت من إطار الخطابات الإعلامية. أما الأعذار الجاهزة، من نقص الفيول إلى واقع الشبكة والمحطات، فلم تعد تقنع أحداً، خصوصاً في ظل تفاوت التغذية الكهربائية بين المناطق.

سوء التخطيط وغياب الشفافية

واقع الكهرباء في سورية اليوم ليس مجرد أزمة خدمية، بل بات أزمة حياة. انعكاساته تطال الصحة والتعليم والاقتصاد والغذاء. والمواطن العادي يدفع ثمن الإهمال وسوء التخطيط وغياب الشفافية. وبينما تنتظر البلاد فجراً من الإنارة الحقيقية، لا تزال الوعود الرسمية تُشعل الظلام بحديث لا يغني ولا يضيء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1236