هل يمكن للاستثمار أن ينجح وسط الانفلات الأمني وغياب الدولة؟

هل يمكن للاستثمار أن ينجح وسط الانفلات الأمني وغياب الدولة؟

في ظل تسارع التحركات السياسية والاقتصادية في الملف السوري، عاد الحديث أخيراً عن إمكانية دخول سورية مرحلة جديدة عنوانها «الاستثمار وإعادة الإعمار»، ولا سيما بعد الترويج لرفع جزئي أو متدرج لبعض العقوبات الغربية والأمريكية.

تسويق رسمي وشبه رسمي للمشاريع الاستثمارية القادمة، ومعارض اقتصادية تُنظم، ومذكرات تفاهم مبدئية تُوقّع. لكن في مقابل ذلك، هناك واقع داخلي مركب ومعقد لا يمكن تجاهله، يُلقي بظلال قاتمة على فرص النجاح لأي مسعى اقتصادي جاد.

فهل يمكن للاقتصاد أن يُبنى في ظل غياب الأمن؟

وهل يمكن لرأس المال أن يتحرك في فراغ مؤسساتي وقانوني؟

الواقع الأمني المنفلت

تعاني معظم المناطق السورية من انفلات أمني حاد، حيث تتكرر حوادث القتل والخطف والسلب، وتتسع رقعة فوضى السلاح غير المنضبط. وهذا لا يقتصر على مناطق محددة دون غيرها، بل يمتد على طول الجغرافيا السورية بدرجات متفاوتة.

الانفلات الأمني لا يقتصر على غياب السيطرة، بل يمتد إلى وجود حالة من الفوضى المنظمة، حيث يجري أحياناً استخدام السلاح والقوة لتحقيق مصالح اقتصادية أو سياسية. وهذا يجعل من أي نشاط اقتصادي مستقر أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.

غياب الدولة وتآكل المؤسسات

الدولة السورية، في صورتها الحديثة، تعاني من تراجع في دور المؤسسات الرئيسية. فلا سلطة تشريعية تملك التمثيل والاستقلالية الحقيقية حتى الآن، والسلطة القضائية لم تكتسب الموثوقية بها، والسلطة التنفيذية تعاني من التخبط الإداري وتداخل الصلاحيات، إضافة إلى استمرار الفساد البنيوي.

في مثل هذا السياق، يغدو المستثمر دون أي غطاء قانوني فعال، فلا ضمان حقيقي لحماية العقود أو الملكية، ولا قضاء مستقل يمكن اللجوء إليه، ولا بيئة إدارية فعالة لتسجيل المشاريع أو متابعتها أو التظلم من أي ضرر.

كل ذلك يعني أن رأس المال سيفكر ملياً، قبل أن يغامر بدخول بيئة تغيب فيها أبسط مقومات سيادة القانون.

رفع العقوبات... هل هو كافٍ؟

إن رفع أو تخفيف العقوبات الغربية على سورية قد يبدو في ظاهره خطوة محفزة، لكنه في الجوهر لا يعني الكثير ما لم يترافق مع تحولات داخلية جوهرية.

العقوبات تُعتبر عائقاً خارجياً، أما العوائق الأعمق فهي داخلية، تتعلق بالحوكمة والشفافية وسيادة الدولة. وبدون إصلاح هذه العناصر، فإن أي رفع للعقوبات لن يُفضي إلى تدفق رؤوس الأموال، بل سيؤدي إلى:

  • انتعاش محدود للنخب المقربة من السلطة.
  • زيادة فرص الفساد والاحتكار.
  • استغلال التسهيلات الاستثمارية من قبل شبكات محلية وإقليمية لها مصالح ضيقة.

بمعنى آخر، قد يؤدي تخفيف العقوبات، في ظل غياب الإصلاح الحقيقي، إلى تعميق الأزمة بدل حلها.

الترويج للاستثمار في بيئة غير مستقرة

من الواضح أن هناك جهداً إعلامياً ودبلوماسياً يُبذل لتقديم سورية كبيئة استثمارية واعدة، وأن «مرحلة جديدة» قد بدأت. لكن هذا الترويج يصطدم بحقائق ميدانية صلبة:

  • شبكات كهرباء مدمرة وبنية تحتية مهترئة.
  • عدم وجود نظام مصرفي فاعل.
  • تذبذب في سعر الصرف وغياب الثقة بالعملة الوطنية.
  • معيقات بيروقراطية وتشريعية كبيرة.

هذه ليست تحديات ثانوية، بل موانع حقيقية للاستثمار المنتج، وتجعل أي حملة ترويجية تبدو بعيدة عن الواقع.

لا اقتصاد بلا دولة

إن الاستثمار ليس مجرد قرار اقتصادي، بل هو انعكاس مباشر لثقة رأس المال بالبيئة التي يتحرك فيها.

ففي ظل عدم الاستقرار السياسي، والانفلات الأمني، وغياب المؤسسات، واستمرار الفوضى القانونية، فإن فرص الاستثمار الحقيقي في سورية تبقى محدودة للغاية، بل وشبه مستحيلة.

إن أي حديث جاد عن جذب رؤوس الأموال لا بد أن يسبقه إصلاح سياسي وأمني عميق، وإعادة بناء لمؤسسات الدولة على أسس الشفافية والاستقلالية. عندها فقط، يمكن للاقتصاد أن يتحرك، وللاستثمار أن يجد له موطئ قدم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233