مرارة المتقاعدين... وعود الزيادة من التفاؤل إلى الخذلان

مرارة المتقاعدين... وعود الزيادة من التفاؤل إلى الخذلان

بدأ شهر تموز هذا العام بأمل جديد لشريحة طالما عانت من التهميش وهي شريحة المتقاعدين.

فقد تلقوا خبر صدور مرسوم بزيادة معاشاتهم بنسبة 200% بارتياح وترقب، ولا سيما أن نص المرسوم كان واضحاً أن الزيادة ستصرف اعتباراً من بداية تموز.

الأمل الذي حملوه لم يكن ترفاً، بل كان نابعاً من احتياج حقيقي لتلك الزيادة، التي خططوا لتوجيهها إلى أساسيات حياتهم من دواء وغذاء وفواتير تثقل كاهلهم شهرياً.

وجاء تصريح وزير المالية ليزيد منسوب التفاؤل حين أعلن أن صرف أجور المتقاعدين سيكون ضمن الفترة ما بين الأول والخامس من كل شهر، مما عزز الاعتقاد بأن التنفيذ سيكون حازماً وشفافاً.

لكن الواقع كان قاسياً، وصادماً، ومخيباً للآمال.

وقف المتقاعدون في طوابير الصرافات تحت حرارة الصيف وهم يحملون في قلوبهم رجاءً طال انتظاره، فإذا بهم يُفاجؤون أن الزيادة لم تُصرف!

لا إشعار، لا توضيح، لا اعتذار، ولا حتى تلميح إلى تأجيل أو خلل. وكأنهم مجرد أرقام هامشية في دفاتر الدولة، لا تُستحق حتى جملة تفسير!

شعور جماعي بالخذلان ساد بينهم، وتحوّل تفاؤلهم الذي بالكاد تجرأ أن ينبض، إلى إحباط عميق ومرارة تلامس الكرامة.

لقد كانوا ينتظرون احتراماً لا صدقة، وكانوا يتوقعون تنفيذ وعود لا خرقاً صامتاً لها.

فما زاد الطين بلة هو الصمت الرسمي المُطبق. لا مؤسسة التأمينات الاجتماعية بادرت بالتوضيح، ولا وزارة المالية قدّمت تبريراً أو حتى أعربت عن أسفها!

هذا الصمت لم يكن مجرد تجاهل، بل كان فعلاً مستفزاً، يشي بنمط راسخ من التعامل البارد واللا مبالي مع شريحة بذلت زهرة أعمارها في خدمة الدولة.

أين هي المساءلة؟ أين هي الكلمة التي تخفف من وطأة الغصة؟ كيف يمكن لمؤسسات الدولة أن تُدير ظهرها بهذه الطريقة الصارخة لمن أفنوا أعمارهم في المساهمة في بناء هذا الوطن؟

لم تكن الزيادة مطلباً رفاهياً، بل كانت حاجة ملحة، أُقرت رسمياً، ثم تلاشت دون أثر، وكأنّ أحلام المتقاعدين قابلة للتأجيل، أو للمحو، متى شاءت البيروقراطية أن تتجاهل.

إن ما حدث ليس إخفاقاً مالياً فقط، بل هو فشل أخلاقي ومؤسساتي عميق.

فالدولة التي لا تحترم متقاعديها، لا تحترم تاريخها. والدولة التي لا تملك الشجاعة لتشرح أو تعتذر، هي دولة تغلق باب الثقة مع مواطنيها، باباً تزداد الحاجة إليه كلما اشتدت الأزمات.

في النهاية، لم تكن خيبة المتقاعدين في ضياع زيادة مالية فقط، بل في الإحساس القاسي بأن تعبهم وإرهاقهم وعمرهم الذي مضى... لا يعني شيئاً في عيون من بيدهم القرار!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233