رهان الشفافية والعدالة، نظام ضريبي جديد قيد الانتظار...
أن يُعمل على تحقيق التوازن بين العدالة الضريبية مع تجنب الجباية الجائرة، وإعادة توظيف الأموال المُجباة كإيرادات للخزينة العامة في الإنفاق العام ليستفيد منها كل أفراد المجتمع بشكلٍ عادل بمعزل عن أوضاعهم الطبقية، هكذا يفترض أن يكون النظام الضريبي الفعّال في أي دولة، كآلية قانونية منضبطة لإعادة توزيع الثروة بعدالة.
وهذا ما لا ينطبق على النظام الضريبي السوري، الذي آن له أن ينتهي من زمن الحلول الترقيعية، بتعديل نص قانوني هنا أو إلغاء لآخر هناك، أو حتى تعديل بعض القوانين ولعدة مرات!
فالمطلوب هو تغيير جذري وجوهري للنظام الضريبي لا شكلي، يجعله واضحاً، بسيطاً ومرناً، كذلك مرتبطاً بضرورات الواقع ويحقق أهدافه المفترضة.
والواضح أن المساعي الرسمية بهذا الصدد يُعلن عنها، لكنها لن تُصدق حتى يلمس السوريون نتائجها بعيداً عن جيوبهم التي أفرغتها عقود من الفساد.
فقد سبق لسلطة النظام البائد أن شكلت الكثير من اللجان من أجل إعادة النظر بالنظام الضريبي المطبق طيلة العقود الماضية، لكن لا نتائج ملموسة من هذه اللجان، حيث بقي الوضع على ما هو عليه، بل ازداد الأمر سوءاً!
خطوة إيجابية تعترف بأن النظام الضريبي غير متوازن وغير مناسب
بعد سقوط سلطة النظام جاء إعلان وزارة المالية بتاريخ 6 حزيران 2025 عن تشكيل لجنة الإصلاح الضريبي، بهدف مراجعة منظومة الضرائب والرسوم وإعداد نظام ضريبي جديد، كخطوة مهمة وإيجابية تعترف بأن النظام الضريبي الحالي غير متوازن وغير مناسب.
حيث تسعى اللجنة إلى تحقيق «نظام ضريبي تنافسي وعصري وواضح، يخدم احتياجات الاقتصاد السوري وازدهاره، من خلال تبسيط الإجراءات وتقليص عدد الضرائب والرسوم، وتحقيق الشفافية والعدالة، وتعزيز التنافسية الاقتصادية، والالتزام الطوعي، إلى جانب ترسيخ الشراكة مع القطاع الخاص والمسؤولية المجتمعية لدافعي الضرائب»، وهذا ما أكده وزير المالية «محمد يسر برنية» في تصريحاته المنقولة عبر وكالة سانا.
واللافت في اللجنة المُشكّلة هو التركيز الإعلامي على الخطوة التي وصِفت بأنها غير مسبوقة بإشراك ممثلين عن القطاع الخاص، (ممثلين عن غرف التجارة والصناعة، وممثل للجامعات، إضافة إلى خبراء مستقلين، والاستفادة من خبرات المؤسسات الدولية).
حيث تم اعتبار ذلك تطوراً إيجابياً، لكن بعيداً عن هذه المشاركة ومدى تمثيلها الفعلي للقطاع الخاص السوري بشكل عام، لم نلمح تمثيلاً عن المجتمع المدني الأوسع كالنقابات المهنية والعمالية مثلاً، أو حتى حضور قانوني مستقل، فمن المفترض أن يكون تمثيل هذه الشرائح هامّاً أيضاً!
النظام الضريبي الحالي
في قراءة سريعة حول النظام الضريبي الحالي، فقد كانت توصف الحكومات المتعاقبة لسلطة النظام الساقط، وخاصة خلال السنوات الأخيرة، بأنها حكومات جباية ونهب من جيوب المواطنين وليست حكومات رعاية، لكثرة الضرائب والتفنن في فرض مطارح ضريبية جديدة على مختلف شرائح المجتمع.
حيث يطبق نظام الضرائب النوعية (التي تقوم على أساس التمييز بين الدخول وفقاً لمصادرها ومن ثم إخضاع كل مصدر من مصادر الدخل لضريبة مستقلة)، مما جعله متخلفاً ومشوهاً وغير فعال، ويوسع انتشار الاقتصاد غير المنظم، والتهرب الضريبي، وتغول أنشطة السوق السوداء أيضاً، ناهيك عن ضعف قدرة الدولة في تحصيل الضرائب بكفاءة، والأهم الإعفاءات والامتيازات الضريبية الكبيرة والتسهيلات الممنوحة لكبار المستثمرين بموجب نصوص قانونية.
فأصحاب الدخل المقطوع من الموظفين، والمفقرين عموماً، كانوا يدفعون ضرائب (مباشرة وغير مباشرة) تفوق بنسبتها الضرائب على الشركات الكبيرة وحيتان الثروة، فعلى سبيل المثال فُرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على الجميع، الغني والفقير، بمساواة ضريبية غير عادلة بينهما، وبالتالي لا عدالة ضريبية تذكر في هذا النظام، بل مزيداً من العبء الضريبي على الغالبية المفقرة بشكل خاص.
الإصلاح المرتقب...
من المفترض أن تكون هذه الخطوة «الإصلاحية» بداية لبناء العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة والمواطنين، وفي هذا السياق يجب ألا ينظر إلى الضريبة كأداة لتحصيل الإيرادات فقط، بل كأساس لبناء علاقة جديدة بين الحكومة والمواطن عمادها الثقة والمساءلة، وجوهرها إعادة توزيع الثروة بعدالة.
ولنجاح عمل لجنة الإصلاح الضريبي هناك نقاط أساسية كتوصيات ومقترحات بحسب بعض الأخصائيين الاقتصاديين لإعادة النظر فيها، بالتعديل أو الإلغاء، بما يساهم في تحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتبسيط النظام الضريبي، ومنها:
إلغاء كل الإعفاءات الضريبية، والإبقاء على تلك التي تحفز الاستثمار فقط، وخاصة في الإنتاج الحقيقي (الزراعي- الصناعي)، وللشركات الناشئة، وذلك بشروط محددة ولمدة مسقوفة زمنياً.
تخفيض ضريبة الأرباح للشركات الصغيرة والمتوسطة، وربط الحوافز الضريبية بمعايير التوظيف أو الابتكار.
العمل على إنهاء الازدواج الضريبي، وخاصة على السلع الأساسية.
مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي، التي تعد أكبر خلل في النظام الضريبي الحالي، من خلال تعزيز الشفافية وتكريس الرقابة الإلكترونية.
العمل على تحقيق العدالة الضريبية وذلك بتبني الضرائب التصاعدية على الدخل والثروة بشكل جدي وفعال.
تفعيل الضرائب البيئية والاستفادة من إيراداتها لدعم الطاقة.
اعتماد اللا مركزية الضريبية، بصلاحيات واضحة ومحددة وشفافة للسلطات المحلية، لتوظيفها في تمويل الخدمات والمشاريع التنموية المحلية.
فهل ستنجح اللجنة بتقديم مشروع إصلاح ضريبي حقيقي يضمن العدالة والشفافية والمساءلة، ويكون أداة فاعلة بإعادة توزيع الثروة بعدالة، أم إن الأمر لن يكون سوى فرصة جديدة لزيادة الجباية دون تحسين للأوضاع الاقتصادية والخدمية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1231