صناعة النشر... من ترسيخ ثقافة الربح الى التطفيش
فرح شرف فرح شرف

صناعة النشر... من ترسيخ ثقافة الربح الى التطفيش

صدر في 15 حزيران 2025 تعميمٌ من وزارة الإعلام يحدد فيه شروط استصدار تراخيص جديدة، أو تجديد القديم منها، لمزاولة مهنة النشر، وأتى بعضها– وبالأخص التكلفة– صادماً للبعض ومجحفاً، لا يراعي الوضع الاقتصادي للناشر والمهنة.

وقد أثار القرار جدلاً لغموضه وعدم مشاركة أصحاب العلاقة في صناعته.
وبالنظرة الأولى على التكلفة المعلنة لاستصدار الترخيص وهي 1200 دولار (أي نحو 12 مليون ليرة)، قد لا يبدو المبلغ كبيراً مقارنة بمشاريع أخرى أو ترخيص مشابه في بلدان مجاورة، ولكن يصطدم هذا الرقم بعدة تساؤلات.

الماضي القريب

إذا ما قارنا التكلفة اليوم بما كانت عليه في عام 2021 على سبيل المثال، نرى تناقضاً مع الواقع الاقتصادي، حيث كانت تكلفة استصدار الترخيص نحو 53 دولاراً، تُدفع مرة واحدة وصالحة مدى الحياة. فيما حددت وزارة الإعلام اليوم صلاحية الترخيص بخمس سنوات، في ظل غياب الشفافية أو المعلومات حول تكاليف وآليات التجديد.
والمفارقة أن كامل المعاملة سابقاً، أي استصدار الترخيص والسجل التجاري والتأمينات وعضوية في غرفة التجارة وحتى «الرشاوى»، لم تكن كلفتها مجتمعة تتجاوز الـ 100 دولار!
يُظهر هذا الفرق الكبير بين تكاليف الأمس واليوم انفصال القرارات الرسمية عن الوضع الاقتصادي وصعوباته، وتحييد الناشر عن دوره الوظيفي في المجتمع، وحصر العمل في القطاع الثقافي بقلّة من أصحاب رؤوس الأموال، فيما ينعكس ذلك بالضرورة على القراء والمهتمين، وخاصة المُفقرين؛ فقد تحول الكتاب إلى سلعة كمالية نظراً لتكلفته المرتفعة على هؤلاء.

زيادةٌ فلكية

هذه الزيادة، من 100 دولار تقريباً تُدفع لمرة واحدة إلى 1200 دولار كل 5 سنوات، ليست مجرد تغيير رقمي بل تحول نوعي في سياسة الترخيص، ليتحول من تشجيع للنشر بشروط معقولة إلى عقبة، ومن ترخيص بسيط إلى بيروقراطية مكلفة.
فإذا افترضنا أن ترخيصاً «مدى الحياة» يعادل 40 سنة (متوسط عمر دار النشر) فإن الكلفة السنوية على الناشر هي 2,5 دولار سنوياً، فيما تبلغ الكلفة السنوية وفق القرار الجديد 240 دولاراً!
وإذا ما احتُسبت أيضاً نسبة الزيادة الإجمالية على مدار 40 سنة، تتضمن 8 دورات، وافترضنا أن 1200 دولار تُدفع كل 5 سنوات، فإن التكلفة الإجمالية هي 9600 دولار، ونسبة الزيادة مقارنة بالتكلفة القديمة هي 9500%، أي إنها أعلى بـ 95 ضعفاً!
وهذا بدون احتساب بقية الرسوم، التي لم يُصرّح عن قيمتها بعد، بالإضافة إلى الضرائب السنوية طبعاً.

دعم الثقافة بين الشعارات والواقع

يرى العديد من المهتمين والعاملين في قطاع النشر أن هذه التكاليف غير مبررة، خاصة في ظل غياب الدعم الحكومي للقطاع، سواء عن طريق المِنَح أو دعم مواد الطباعة، أو غيرها من التسهيلات.
كما يُظهر فرض هذه القرارات- من أعلى، من دون حوار مع المشتغلين في القطاع والناشرين، وفهم آلية عمله ومشكلاته وصعوباته- أن المشكلة ليست مالية فحسب، بل منهجية.
إن لهذا التغيير النوعي آثار سلبية من أبرزها انهيار دور النشر الصغيرة وهروب من يقدر منها إلى بيئات أكثر دعماً وأقل صعوبات، ولا يُستثنى من ذلك الدور الكبيرة والعريقة في سورية، ما يذكرنا بسياسات «التطفيش» التي اتبعتها سلطة الأسد، حيث تكاثر الناشرون الذين استصدروا تراخيص في بلدان عربية، بالإضافة إلى الترخيص السوري، بالعشرات من الدور، بحثاً عن الدعم الأكبر والتكلفة الأقل والتسهيلات الأكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1231