منحة قطرية... بين الحاجة والضجيج الإعلامي

منحة قطرية... بين الحاجة والضجيج الإعلامي

في خطوة لافتة، أعلنت وزارة المالية السورية، عبر منشور رسمي، عن تسلم منحة قطرية تبلغ 29 مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر، مخصصة لتغطية جزء من فاتورة الأجور والرواتب، وبالأخص في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والمتقاعدين غير العسكريين.

هذه المنحة، ورغم أهميتها من حيث التوقيت والدلالة، شهدت تضخيماً إعلامياً لافتاً، سواء في تغطية أثرها على الاقتصاد أو في الإيحاء بأنها بداية انتعاش اقتصادي محتمل، وهو ما يستدعي بعض المراجعة والتحليل الهادئ والواقعي.

المنحة... دعم مؤقت ولا بديل عن الإصلاح

لا يمكن إنكار أن المنحة القطرية تأتي في ظرف اقتصادي بالغ الصعوبة، وهي بلا شك تساهم في تخفيف جزء من الأعباء الحكومية الآنية، وتوفير سيولة تسهم في استقرار محدود لبعض الشرائح الوظيفية.

لكنها بالمقابل تبقى في جوهرها مساعدة خارجية مؤقتة ومحدودة، ولا يمكن البناء عليها كمرتكز مالي أو اقتصادي طويل الأمد.

فالقول إن هذه المنحة قد تقود إلى انتعاش اقتصادي، كما صرح بعض الاقتصاديين، هو تضخيم لا يستند إلى أساس اقتصادي متين، خاصة في ظل غياب إنتاج فعلي، وانعدام بنية تحتية اقتصادية حقيقية، واستمرار العقوبات التي تخنق حركة الاستيراد والتصدير.

استثناء من العقوبات... أم انتقاص من السيادة؟

اللافت في الإعلان عن المنحة هو التوقف عند «الامتنان» لوزارة الخزانة الأمريكية على استثناء المساعدة القطرية من العقوبات، وكأن هذا الاستثناء يُمنح كمنة أو فضل، في حين أنه من المفترض أن تنتهي هذه العقوبات، وبالحد الأدنى أن تكون المنح والمساعدات غير خاضعة للتجاذبات أو القيود السياسية.

إن التنويه المكثف بهذا الاستثناء يعكس خللاً في الخطاب الرسمي، ويُظهر مدى تغلغل الاعتماد على الخارج في أبسط مفاصل الشأن المالي الوطني.

من الرواتب إلى السيادة... أين الأولويات؟

ما يستوجب الوقوف عنده، هو أن رواتب موظفي الدولة، الذين يمثلون شريحة كبرى من المواطنين، باتت اليوم مرهونة بمساعدات خارجية، وهذا بحد ذاته مؤشر مقلق يمس جوهر السيادة الوطنية.

فلا يمكن لدولة أن تدعي الاستقلال بينما تمول نفقاتها الجارية من مصادر خارجية مشروطة أو مؤقتة.

هنا لا يكون التحدي في تأمين الرواتب فحسب، بل في كيفية تحرير القرار الوطني من الارتهان، وضمان الموارد الذاتية المستدامة.

نحو بدائل حقيقية... الإنتاج لا المِنح

الطريق الوحيد لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي هو تفعيل قطاعات الإنتاج المحلي، الزراعي والصناعي، بما يوفر إيرادات قادرة على تغطية النفقات العامة دون اللجوء إلى المنح والهبات.

ويجب أن تترافق أي زيادة في الرواتب بسياسات إنتاجية واضحة ترفع مستوى الاكتفاء الذاتي وتحد من التضخم. وإلا، فإن ضخ السيولة دون إنتاج سيؤدي إلى رفع الأسعار، وامتصاص سريع لأي مكاسب متحققة، مما يكرس الأزمة بدلاً من حلها.

بين الواقعية والكرامة الاقتصادية

المنحة القطرية ليست بلا قيمة، لكنها ليست طوق نجاة دائم.

فتضخيم أثرها إعلامياً يضر أكثر مما ينفع، لأنه يصرف النظر عن الحاجة الحقيقية لإصلاحات هيكلية عميقة، وبناء اقتصاد يعتمد على موارده الذاتية.

إن احترام السيادة يبدأ من الاكتفاء، وليس من الاحتفاء بالمساعدات، وما لم تتحول هذه الخطوة إلى جسر نحو اعتماد على الذات، فإنها ستبقى مجرد فاصل قصير في مشهد أزمة ممتدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226