قرار المركزي بين تحرير السحوبات واستمرار حبس السيولة: أين الثقة المصرفية؟
أصدر مصرف سورية المركزي في 7 أيار 2025 تعميماً جديداً يقضي بإلزام المصارف العاملة في سورية كافة بتمكين العملاء من السحب الكامل من حساباتهم الجارية وودائعهم لأجل، دون قيود على التوقيت أو القيمة، وذلك بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية، شريطة أن تكون هذه الإيداعات قد تمت بعد تاريخ صدور التعميم.
ورغم ما يحمله القرار ظاهرياً من مؤشرات إيجابية نحو الانفتاح وتحرير حركة السيولة، إلا أن التعميم استثنى الإيداعات السابقة لهذا التاريخ، ما يعني استمرار حبس أموال المودعين التي جُمدت في فترات سابقة ضمن ظروف اقتصادية وأمنية معقدة. وهو ما أثار استياء شريحة واسعة من المتعاملين، الذين يرون في القرار تناقضاً صارخاً مع الهدف المعلن: «تعزيز الثقة في القطاع المصرفي».
الثقة المصرفية... ضحية السياسات التقييدية
الثقة المصرفية لا تُبنى بقرار إداري جزئي، بل تتطلب تغييرات جذرية وتراكمية على مستوى السياسات والضمانات.
فلسنوات، عانى المتعاملون مع المصارف السورية من قيود صارمة على السحب، شملت وضع سقوف أسبوعية وشهرية، وصعوبات في كسر الودائع لأجل، إضافة إلى تقلبات حادة في سعر الصرف وتراجع القدرة الشرائية.
تلك السياسات دفعت كثيرين إلى العزوف عن التعامل مع النظام المصرفي، واللجوء إلى الاكتناز النقدي في المنازل أو اعتماد وسائل غير رسمية في تحويل الأموال والتعاملات التجارية.
ومع تدهور قيمة الليرة، تحولت ودائع الناس من أدوات استثمار وحفظ للقيمة إلى «أموال محتجزة» دون أفق واضح للإفراج عنها.
لماذا لا يكفي القرار؟
قرار المركزي، وإن حمل نية لتحفيز الإيداعات الجديدة، إلا أنه يكرس التمييز بين الأموال القديمة والجديدة، مما يطرح تساؤلات مشروعة حول عدالة المعاملة وشفافية السياسات.
إن عدم شمول القرار للودائع كافة- بغض النظر عن تاريخها- يعني ضمناً استمرار الشكوك حول قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها، بل ويزيد القلق من مصير الأموال المجمدة.
من ناحية أخرى، عدم شمول الحوالات المالية ضمن القرار يُبقي الباب مفتوحاً على استمرار التعامل مع شركات التحويل غير الرسمية أو السوق السوداء، ما يضر بالقطاع المالي ككل.
ما المطلوب لاستعادة الثقة؟
تحرير شامل للودائع، فلا يمكن بناء الثقة دون منح المودعين حق السحب الكامل وغير المشروط لأموالهم كافة، بما فيها الإيداعات القديمة، وفق جدول زمني واضح.
الشفافية المصرفية المتمثلة بنشر تقارير دورية حول الملاءة المالية للمصارف، وضمانات الإيداع، وإجراءات حماية حقوق المودعين.
الاستقلالية والشفافية في القرارات لتوضيح أسس اتخاذ قرارات تقييد أو تحرير السحب، وربطها بمعايير اقتصادية معترف بها دولياً.
تفعيل الرقابة القضائية والتشريعية عبر تمكين القضاء من النظر في دعاوى حجز السيولة وضمان الحقوق، وفرض رقابة شعبية على سياسات المصرف المركزي.
انفتاح على النظام المالي العالمي عبر قنوات ودول قادرة على تجاوز العقوبات الغربية، مع إصلاحات اقتصادية تضمن إعادة الثقة بالمصارف السورية في الأسواق الخارجية، ما يساهم في استقطاب الحوالات والاستثمارات.
الثقة تُكتسب ولا تُفرض
الثقة المصرفية لا تُفرض، بل تُكتسب، وقرار المصرف المركزي السوري الأخير، رغم كونه خطوة شكلية نحو تحرير السحب، إلا أنه لم يعالج جوهر المشكلة المتمثلة بحبس السيولة القديمة، وانعدام الشفافية، وفقدان الأمان القانوني والاقتصادي.
إن أي مسعى جاد لاستعادة الثقة يجب أن يكون شاملاً، لا انتقائياً، وإلا فإن النظام المصرفي سيبقى يعاني من عزلة داخلية وخارجية، تقوض دوره في دعم الاقتصاد الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1226