البنك المركزي والسوق الموازي

البنك المركزي والسوق الموازي

في الوضع الاستثنائي وغير المألوف حيث ينخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازي عن سعره في البنك المركزي، تُصبح آلية تحقيق الصيارفة المنفلتين للأرباح أكثر تعقيداً، وهي حتماً تتطلب شبكة استغلال مُمنهج للفجوة بين النشرة الرسمية والموازية.

فمحاولة البنك المركزي «تجميل» الواقع عبر تثبيت أو تعديل السعر الرسمي بقرارات إدارية وليس بإجراءات مالية ونقدية، تؤدي إلى فقدان المصداقية وتحويل الرقم إلى مجرد قيمة وهمية، بينما يشير إلى تشوهات هيكلية عميقة في الاقتصاد السوري، وتساؤل مفتوح حول المستفيدين والمتضررين من هذا الواقع.

ارتفاع ... انخفاض، يتبعه تطابق!

يمثل الارتفاع الأخير لسعر الدولار في السوق الموازي، وصولاً إلى عتبة 12,000 ليرة، وتجاوزها لعدة أيام، والحديث عن مساعي المركزي لتعديل سعره الرسمي «ليتطابق» مع الموازي، مؤشراً إضافياً إلى تفلّت السوق النقدي، ما ينذر بتضخم جديد ومزيد من الإفقار والنهب.

فغياب آليات فعالة تجعل من هذا التطابق أمراً وهمياً، لأن تحقيق انخفاض حقيقي في سعر الصرف الرسمي، أو الحفاظ على استقراره الفعلي، يتطلب عدة عوامل أبرزها وأهمها تفعيل واستعادة الإنتاج (الصناعي والزراعي) وزيادته، والاستقرار السياسي والأمني، الغائبَين في الوقت الراهن، يضاف إلى ذلك عوامل لا تقل أهمية مثل ضرورة تجاهل التعويل على رفع العقوبات الغربية، والتركيز على إيجاد بدائل للالتفاف عليها من قبل دول قادرة على تجاوزها، كما يحتاج إلى إصلاح نقدي جذري، أقله تحديد سعر الصرف وفق آلية العرض والطلب في سوق القطع مع تحكم أكبر للمصرف المركزي عليه، وليس «بقرارات إدارية» ينجم عنها استمرار تحكم حيتان السوق الموازي بالقطع.

من المستفيد؟

تُعد التحويلات المالية الوافدة من الخارج شريان حياة للعديد من الأسر، وتُشكل لبعضهم مصدر دخل أساسي، إلا أن الممارسات النقدية الراهنة المتمثلة بالمحصلة في الفروقات بين سعر الصرف الرسمي ونظيره في السوق الموازي تُلقي بظلالها على القيمة الفعلية لهذه الأموال عند وصولها إلى المستفيدين، بالإضافة إلى ما يُحتجز كفارق «عمولة» للوسطاء من مكاتب الحوالات أو غيرهم من واجهات غير قانونية.

فخلال الأشهر القليلة السابقة تم استنزاف مدخرات المواطنين وحوالاتهم الدولارية من قبل المتحكمين بالسوق الموازي، الذين نهبوا هذه الدولارات بسعر نهبوي بخس، وصولاً إلى جفاف السوق نسبياً من القطع مؤخراً، الأمر الذي أدى إلى زيادة ضئيلة على سعر الصرف في هذه السوق حالياً، لكن يبدو أن هؤلاء المتحكمين ما زالوا ينتظرون قدوم عيد الأضحى مع حوالاته كي يستمروا بنهبهم بالسعر البخس، دون عتبة 12000 ليرة، الذي يحقق لهم هوامش الربح الاستغلالية الكبيرة على حساب المواطنين.

فيما يأتي التجار المستوردون في قائمة المستفيدين أيضاً، فهم يستوردون السلع الأساسية بسعر المصرف المركزي افتراضاً، في حين يحصلون على الدولار اللازم من السوق الموازي، وفي حين تُباع هذه السلع للمواطن بسعر مرتفع يتضمن هوامش تحوطية يحتسب على أساسها سعر الصرف مقابل البضائع والسلع المستوردة بسعر أعلى من الموازي والمركزي على السواء.

فإذا قارنّا قيمة راتب موظف يبلغ مثلاً 500,000 ألف ليرة (ما يعادل 42 دولاراً بالسوق الموازي) بالمقابل (37 دولار) وفق السعر الرسمي، وأقل من (20 دولار للسلعي) وفق السعر التحوطي، يتضح كيف تقلّص هذه الفوارق من قدرته الشرائية.

هذه الهوامش ليست «أرباحاً» بقدر ما هي نهب منظّم، تعكس تحول النظام المالي إلى أداة لتركيز الثروة في أيدي القلة من النخبة، عبر استغلال تناقضات مصطنعة، والاستفادة من حاجة المواطنين للسلع الأساسية، وبالتالي تحويل العملة المحلية إلى أداة استنزاف.

الخاسر الأكبر

تُترجم السياسات التي يتبعها المصرف المركزي– أو ربما يقف متفرجاً عليها– لا لتغذية خزائنه المفلسة، بل إلى مصادرة مدخرات المواطنين، المُجبرين سواء على استلام حوالاتهم المالية بأسعار السوق الموازي البخسة المعلنة عبر بعض الصفحات، وغالباً بأقل من ذلك في كثير من الأحيان، أو على بيع مدّخراتهم بسعر منخفض.

وفي ظل غياب آليات ذكية وشفافة ومستقطبة من قبل المركزي تعود العملة الصعبة المسحوبة من جيوب الناس إلى التسرب للسوق الموازية عبر شبكات كبار السماسرة والمضاربين ولمصلحتهم.

فاستمرار هذه السياسات تعكس استغلالاً لانهيار الدولة، وتحويل الأزمة إلى مصدر للثراء. فالتفاوت في سعر الصرف بهذا الشكل يحول المواطن إلى «ضحية» دائمة، والأسر تدفع «ضريبة خفيّة» للسوق الموازي وللنخب المتحكمة بها، مما يزيد من تركيز الثروة في أيدي قلة، بينما تُدفع قطاعات أوسع من السوريين– المفقرين أصلاً– إلى تحت تحت خط الفقر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226