شركات الإنشاءات العامة... غابت جبهات العمل وحضرت الخصخصة

شركات الإنشاءات العامة... غابت جبهات العمل وحضرت الخصخصة

في الوقت الذي تتصاعد فيه الحاجة الوطنية إلى مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية وصيانتها، وترميم وإعادة تأهيل الكثير من المنشآت العامة والخاصة، عقد وزير الأشغال العامة والإسكان، المهندس مصطفى عبد الرزاق، اجتماعاً مع مسؤولي الشركات العامة التابعة للوزارة، بتاريخ 1 أيار الحالي، لمناقشة سبل تحسين الأداء، وزيادة الشفافية، واستعراض الإجراءات الإصلاحية المنفذة على الصعيدين الإداري والإنتاجي.

إلا أن ما غاب عن طاولة النقاش كان جوهرياً، وهو تأمين جبهات عمل حقيقية لتلك الشركات.

وتجدر الإشارة إلى أن النقاش يدور حول الجهات العامة الآتية:

المؤسسة العامة للإسكان- الشركة العامة للبناء والتعمير- الشركة العامة للمشاريع المائية- الشركة العامة للطرق والجسور- الشركة العامة للدراسات الهندسية- الشركة العامة لأعمال الكهرباء والاتصالات.

فالاجتماع، الذي حمل مؤشرات على توجه نحو تخصيص بعض الشركات أو إدخالها في شراكات مع القطاع الخاص، عكس في طياته تراجعاً واضحاً عن الدور الذي يفترض أن تضّلع به الشركات العامة أعلاه، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والمهام المرحلية والاستراتيجية التي تواجه البلاد.

فبدلاً من تعزيز حضور هذه الشركات في المشاريع الوطنية الكبرى، بدا أن التركيز انصب على إصلاح الهياكل، ومراجعة السياسات المالية، مع تعويل لافت على الخصخصة، وكأنها المنفذ الوحيد!

غياب جبهات العمل عن أولويات الإصلاح يشكل علامة استفهام كبيرة، في وقت تعج فيه البلاد بالحاجة إلى مشاريع إنشائية طارئة واستراتيجية، من إسكان وتأهيل منشآت ومرافق وبنية تحتية مدمرة أو متقادمة.

هذه الجبهات ليست متاحة فقط، بل هي ضرورة وطنية عاجلة، وكان الأجدر أن تتصدر أجندة النقاش لضمان تشغيل الشركات، وتحقيق جدوى حقيقية من عمليات التحديث الإداري والفني التي يتم الترويج لها.

ويؤكد خبراء في الاقتصاد والإدارة أن الخصخصة أو الشراكة لا يجب أن تكون بدائل تلقائية، بل يجب أن تكون إجراءات مدروسة تأتي في سياق تقييم الأداء ضمن جبهات عمل فعلية.

فالشركة التي لا تُمنح فرصة تنفيذ مشاريع لا يمكن الحكم على جدوى استمرارها أو تعديل بنيتها وهيكليتها!

في هذا السياق، يرى كثيرون أن بقاء شركات الإنشاءات العامة تحت مظلة الدولة هو خيار استراتيجي، ولا سيما في ظل الظروف الحالية، حيث تُعد هذه الشركات أداة أساسية للسيادة الوطنية على عمليات الإعمار ومشاريعها القادمة، وضمان العدالة في التوزيع، والحد من تغول رؤوس الأموال في قطاع حيوي.

ومن المصلحة الوطنية اليوم، ليس دعم هذه الشركات من خلال السياسات فقط، بل منحها أولوية في تنفيذ المشاريع الحكومية، وتخليصها من العوائق الإدارية والتمويلية التي تحد من فاعليتها.

فنجاحها لا يعزز الاقتصاد فحسب، بل يؤسس أيضاً لقطاع إنشائي وطني مستقل، قادر على النهوض بمهام المرحلة القادمة بكل ثقة.

في المحصلة، لا إصلاح حقيقي بلا عمل، وتوفير جبهات العمل لشركات الإنشاءات العامة هو المدخل الجاد لإنقاذها، وإثبات قدرتها على الاستمرار، بعيداً عن منطق التهميش أو الخصخصة الاستباقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1225