قرارات تهدد مستقبل الصناعة الدوائية المحلية والمريض هو الضحية الأكبر

قرارات تهدد مستقبل الصناعة الدوائية المحلية والمريض هو الضحية الأكبر

في خطوة وُصفت بأنها مفاجئة ومجحفة، أصدر وزير الصحة في حكومة تسيير الأعمال السورية، الدكتور ماهر الشرع، حزمة من القرارات ذات الأرقام (1367-1368-1369-1370) بتاريخ 19 آذار 2025، تضمنت تحديد رسوم جديدة على الخدمات المقدمة من قبل الوزارة، المتعلقة بشكل مباشر بالصناعات الدوائية المحلية.

هذه القرارات أثارت موجة من القلق والاستياء في أوساط أصحاب معامل الأدوية والمختصين في القطاع الصحي، لما تحمله من أعباء إضافية قد تهدد استمرارية الإنتاج الدوائي الوطني وتؤثر بشكل مباشر على المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية.

رسوم باهظة بالعملة الصعبة

اللافت في القرارات الجديدة هو ليس رفع الرسوم فقط، وبنسب فلكية، بل اعتماد الدولار الأمريكي كعملة للدفع أيضاً، مما يزيد من أعباء الشركات المحلية التي تتعامل بموارد داخلية بالليرة السورية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر:
رسم تجديد ترخيص معمل دوائي أصبح 1500 دولار بعد أن كان 200 ألف ليرة سورية فقط.
رسم دراسة إضبارة مستحضر دوائي محلي ارتفع إلى 750 دولاراً بدلاً من 15 ألف ليرة.
رسم ترخيص مستحضر دوائي محلي أصبح 750 دولاراً مقارنة بـ 30 ألف ليرة سابقاً.
رسم ترخيص العيار بات 200 دولار بعد أن كان 50 ألف ليرة فقط.
كما تم فرض رسوم جديدة لم تكن موجودة مسبقاً، منها:
رسم تجديد ترخيص مستحضر دوائي محلي بقيمة 750 دولاراً.
رسم تجديد ترخيص العيار بقيمة 200 دولار.
رسم تعديل تعبئة المستحضر (خدمة كانت مجانية سابقاً) أصبح 200 دولار.
رسم إدخال مادة إلى لائحة الأدوية الوطنية حُدد بـ 100 دولار.
وبعملية حساب بسيطة، فإن أصغر معمل دوائي محلي ينتج حوالي 70 صنفاً دوائياً، سيضطر لتسديد ما لا يقل عن 60 ألف دولار لتجديد وتحديث تراخيصه، أي ما يعادل 720 مليون ليرة سورية وفقاً لسعر صرف الدولار الرسمي البالغ 12 ألف ليرة. علماً أن هذه الرسوم لم تكن تتجاوز سابقاً حاجز الـمليوني ليرة سورية.
أما عن المعامل المرخصة والتي لم تقلع بعملها الإنتاجي بعد، فالكارثة المالية بالنسبة لها أكبر، قد تعيق إقلاعها.

تداعيات كارثية على الصناعة والمستهلك

هذه الزيادات الهائلة لا يمكن وصفها بمجرد «رسوم» على خدمات، بل إنها أقرب إلى جباية مرهقة تهدد أحد أهم القطاعات الإنتاجية في البلاد. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجبايات المرتفعة تسدد في حسابات خاصة بوزارة الصحة، وليس في حسابات الخزينة العامة للدولة.
فأصحاب المعامل حذروا من أن هذه التكاليف المرتفعة ستنعكس على تكلفة الإنتاج، وبالتالي على سعر الدواء المحلي في السوق، ما سيؤثر سلباً على المواطنين وبشكل خاص أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية، الذين يعتمدون على أصناف باهظة الكلفة وضعيفة الربح.
ومع استمرار الضغط على الصناعة الدوائية المحلية عبر الرسوم المالية والضريبية (ضريبة الدخل 33-35%)، والجمركية (رسوم تصدير مستحدثة تصل إلى 6% من قيمة فاتورة التصدير)، تصبح استدامة الإنتاج المحلي لبعض الأصناف الدوائية محل شك، ما سيدفع المرضى إلى اللجوء إلى البدائل المستوردة ذات الأسعار المرتفعة أو إلى الأدوية المهربة، والتي تفتقر في كثير من الأحيان إلى معايير الجودة والمأمونية، ما يشكل خطراً مضاعفاً على الصحة العامة.

إجهاض جهود المجلس العلمي للصناعات الدوائية

القرارات الجديدة أعلاه جاءت لتنسف كل ما تم التوافق عليه سابقاً بين المعنيين في القطاع.
ففي 29 كانون الثاني 2025، وخلال اجتماع لمديرية الرقابة الدوائية مع المجلس العلمي للصناعات الدوائية، تم طرح مطالب جوهرية تهدف إلى دعم الصناعة المحلية، ومنها: تخفيض الرسوم ‏على المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية والتحاليل المخبرية، ورسوم ‏ترخيص الأصناف، وتشجيع التصدير، وإعادة تأهيل المعامل التي تعرضت ‏للتدمير، إضافة إلى ضرورة بناء شراكات تعزز من قدرات المعامل المحلية ‏على صناعة الأدوية، وضرورة إيجاد آلية جديدة لتحسين جودة الأدوية ومواجهة ‏التحديات التي يواجهها القطاع، بما في ذلك تسهيل إدخال المواد الأولية من ‏المعابر الحدودية، إضافة إلى مناقشة القضايا التنظيمية الجديدة للرقابة الدوائية، ‏والمساعدة في ترسيخ الصناعات المحلية. ‏
ورغم الوعود بدعم الاكتفاء الذاتي من الأدوية وتعزيز الجودة، عن لسان مدير مديرية الرقابة الدوائية في وزارة ‏الصحة، الدكتور إبراهيم الحساني، جاءت قرارات وزير الصحة بحكومة تسيير الأعمال المذكورة آنفاً لتكون ضربة قاسية لكل تلك التطلعات، حيث لم تسهم سوى بزيادة العبء المالي، دون أي مبرر فني أو اقتصادي معلن.

المطلوب اليوم قرارات شجاعة لا قرارات جباية

إن الصناعة الدوائية السورية، التي واجهت ظروفاً صعبة خلال سنوات الحرب، كانت أحد أعمدة الصمود الصحي والاقتصادي، واليوم تحتاج إلى دعم مباشر وفعلي، لا مزيد من العراقيل والرسوم.
فالمطلوب من الحكومة الحالية:
الإلغاء الفوري للقرارات (1367-1368-1369-1370) المتعلقة بالرسوم الجديدة.
فتح حوار موسع مع أصحاب المعامل والمجلس العلمي للصناعات الدوائية لوضع آليات عادلة تراعي ظروف الإنتاج المحلي.
دعم المواد الأولية وتخفيض الرسوم الجمركية، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير.
تحسين دور المجلس العلمي للصناعات الدوائية، وإعادة تقييم تشكيلته ومهامه، وأن يعاد تشكيله انتخاباً بعد المتغيرات الأخيرة في الواقع السوري المحلي، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة وإيجابية تصب بمصلحة أصحاب المعامل والمرضى والدولة بآن معاً.

الضرورة الوطنية

إن دعم قطاع الصناعات الدوائية المحلية ليس مجرد خيار اقتصادي، بل ضرورة صحية ووطنية، وذلك لضمان:
سد حاجات الاكتفاء الذاتي من إنتاجها، واستمرار وصول الدواء الآمن والفعال إلى المواطنين السوريين بأقل كلفة ممكنة، خصوصاً الغالبية الأكثر ضعفاً وحاجة من هؤلاء، بالإضافة إلى المرضى المزمنين بغالبيتهم من كبار السن المتقاعدين.
بالإضافة إلى كون هذا القطاع الإنتاجي يعتبر من القطاعات التصديرية الهامة التي كسبت ثقة الكثير من أسواق التصدير خلال العقود الماضية، مع ما يعنيه ذلك من عائدات بالقطع الأجنبي.
ولا يغيب عن الذهن بهذا الصدد أن هذا القطاع الإنتاجي الهام يعتبر من القطاعات العلمية المستقطبة للكفاءات من خريجي كليات الطب والصيدلة العاملين فيه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1222