ارتفاع أعداد السيارات بين تحرير الاستيراد وتحديات الاقتصاد الوطني

ارتفاع أعداد السيارات بين تحرير الاستيراد وتحديات الاقتصاد الوطني

شهدت سورية في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد السيارات، وذلك بعد أن سمحت حكومة تسيير الأعمال، التي تولت مسؤولياتها منذ نحو أربعة أشهر، بإعادة فتح باب استيراد السيارات، مترافقة مع تخفيض ملموس في الرسوم الجمركية.

جاء ذلك بعد أن كانت السلطة الساقطة قد أوقفت استيراد السيارات خلال سنوات الحرب، ضمن إجراءات مشددة فرضتها الظروف الأمنية والاقتصادية آنذاك.
ورغم أن هذه الخطوة الجديدة ساهمت في تحريك السوق وتوفير موارد جمركية، إلا أنها لم تترافق مع سياسات موازية لتنظيم العملية، مثل استبدال السيارات القديمة أو الحدّ من تضخم عدد المركبات في الشوارع، ما يطرح إشكاليات متعددة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تتطلب ترشيد الاستيراد وتوجيهه نحو القطاعات الحيوية.

تحرير الاستيراد وتأثيره على السوق

مع تولي حكومة تسيير الأعمال مسؤولياتها، جاء قرار السماح باستيراد السيارات كأحد أولى الخطوات الاقتصادية، لكنه تزامن مع خفض الرسوم الجمركية ما جعل السيارات المستوردة في متناول شريحة أوسع من المواطنين.
إلا أن غياب خطة واضحة لتنظيم هذه العملية أفضى إلى تدفق أعداد كبيرة من السيارات خلال فترة قصيرة، دون مراعاة كافية للواقع البنيوي أو البيئي للمدن السورية.

غياب سياسات استبدال السيارات القديمة

رغم أن السوق يعاني من تكدس عدد كبير من السيارات القديمة والمتهالكة، فإن السياسات الجديدة لم تتضمن أي إجراءات واضحة لاستبدال هذا الأسطول أو تقليصه.
وفي غياب الحوافز والتشريعات الداعمة، تستمر هذه السيارات في استهلاك الوقود بكميات كبيرة، وتلويث البيئة، وتحمل المواطنين والدولة تكاليف صيانة مرتفعة وغير مجدية.

انعكاسات اقتصادية على إدارة القطع الأجنبي

في ظل ما يمر به الاقتصاد السوري من ضغوط حادة ونقص في موارد القطع الأجنبي، يبرز السؤال حول مدى جدوى تخصيص هذه الموارد لاستيراد سلع كمالية كالسيارات، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى دعم قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية أكثر أولوية.
كما أن هذا التوجه لا ينسجم مع مبادئ ترشيد الاستيراد الذي يفترض أن يكون أحد أعمدة المرحلة الانتقالية الحالية.

أثر بيئي وبنيوي على المدن والبنية التحتية

تدفق السيارات بشكل غير منظم يزيد من أعباء المدن السورية، التي تعاني أساساً من ضعف في البنية التحتية، وشبكات الطرق، ونقص في خدمات النقل العام.
وتُفاقِم هذه الزيادة غير المدروسة من مشكلات الازدحام والتلوث، دون أن تُقابل بخطط واضحة لتوسيع أو تطوير البنى التحتية اللازمة.

نحو سياسات متوازنة ومسؤولة

لمواجهة هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحة لاعتماد سياسات أكثر توازناً وواقعية، من أبرزها:
مراجعة سياسة الاستيراد الحالية وتحديد أولويات واضحة في ظل الإمكانات المتاحة.
إطلاق برنامج لاستبدال السيارات القديمة، ضمن آليات تحفيزية وتشجيعية.
ترشيد استخدام القطع الأجنبي بما يخدم المشاريع الإنتاجية والضرورات الوطنية.
تطوير شبكة النقل العام لتكون بديلاً عملياً يقلل الاعتماد على السيارات الخاصة.
دعم السيارات الكهربائية والهجينة لكونه خياراً مستقبلياً صديقاً للبيئة.

الحاجة لرؤية شاملة ومتكاملة

السياسة الجديدة التي اعتمدتها حكومة تسيير الأعمال فيما يخص استيراد السيارات، رغم أنها جاءت في سياق الانفتاح الاقتصادي بعد سنوات من الإغلاق فرضتها السلطة الساقطة، إلا أنها تحتاج إلى رؤية شاملة ومتكاملة توازن بين تحفيز السوق وحماية الاقتصاد الوطني، وبين تحديث قطاع النقل والحفاظ على البيئة.
فمن دون هذا التوازن، قد تتحول هذه الخطوات إلى عبء إضافي بدل أن تكون فرصة للتنمية والتحول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221