الريجي... بين دخان الحرق والحريق ..المسؤولية الاجتماعية والتنمية
 د. موفق الشيخ علي  د. موفق الشيخ علي

الريجي... بين دخان الحرق والحريق ..المسؤولية الاجتماعية والتنمية

 كان مشهد مباني ومعامل التبغ التي تم حرقها في الأيام الأولى لسقوط النظام البائد مثار تساؤل حول المبررات لحرق منشأة صناعية وحيدة في اللاذقية، والأغرب كان تكرار فعل الحرق رغم جهود الإطفاء ولعدة أيام متتالية وكأن هناك من يريد أن يمحو هذا الصرح الإنتاجي أو يريد أن يدفن تحت ركامه ذاكرة آلاف العوائل التي تعتاش من السلسلة الإنتاجية لصناعة التبغ في اللاذقية!!!! وربما من كان يريد أن يخفي معالم جرائم أو انتهاكات اقتصادية/مالية في هذه المباني؟؟؟!!!

الريجي... هو الاسم المتداول للمؤسسة العامة للتبغ كما في سورية في لبنان لأنها كانت تؤام سيامي ولد 1935 ولم يستطع الفرنسيون فصله فجاء «الوطنيون» السوريون واللبنانيون وقاموا بالفصل في عام1953 .
وحسب موقع المؤسسة العامة للتبغ تعود تاريخ زراعة التبغ واستعماله في سورية إلى نحو 420 عاماً حيث كان ظهوره الأول في عهد السلطنة العثمانية وذلك في سورية والعراق سنة 1590 حيث كانت محافظة اللاذقية في ذلك العهد مسموحاً لها بزراعة التبغ على أساس قوانين حصر خاصة لصنف أبو ريحة المسمى بالتبغ المدخون والذي عرف في العالم باسم التبغ اللاذقاني.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتهاء الحكم العثماني للبلاد العربية استمر امتياز الشركة الفرنسية الذي بدأ في عام 1884 لمدة 30 عاماً تم تمديده إلى مدة 15 عاماً إضافياً في كل من سورية ولبنان اللتين وقعتا تحت سلطة الانتداب الفرنسي وكانت تمارس فيها مراسم التفتيش الداعمة لحصر التبغ والتنباك والتي اتخذت من بيروت مركزاً لها تابعاً لإدارة الشركة العامة في اسطنبول.
في العام 1935 تم إخضاع التبغ في كل من سورية ولبنان لنظام الحصر الكامل للزراعة والصناعة والتجارة وذلك من قبل شركة مساهمة محدودة سميت الإدارة اللبنانية السورية ذات المنفعة المشتركة لابتكار التبغ والتنباك ومارست مهامها حتى عام 1951.
وضعت الحكومات السورية اعتباراً من عام 1953 برنامجاً للتجارب الزراعية على أصناف جديدة من التبوغ لتحد من الاستيراد والاستغناء عنه تدريجياً وبعد أن ثبت ملائمة البيئة لإنتاج التبوغ الشرقية وفي مقدمتها البريليت والأوتيليا يوغسلافية المنشأ، وتوقفت المؤسسة عن استيرادها وبدأت بالتوسع التدريجي بزراعتهما ضمن حدود محافظة اللاذقية ومناطق جسر الشغور وإدلب وحارم وحلب وبعدها انتشرت زراعة أكثر من عشرة أصناف شرقية وهي شك البنت – رافينياك – أوتيليا كاباكولاك – مندريكو – صاموس – تنباك – بصما – كسب – بريليت.
إذن، زراعة التبغ وتصنيعه والإتجار به هو جزء من التاريخ الزراعي لسورية ولدى مزارعي التبغ في سورية مهارات متوارثة عائلياً جعلت منه محصولاً مجدياً اقتصادياً سواء من ناحية كفاية السوق المحلية أو التصدير، ويمكن اعتبار الأصناف المطورة محلياً والمرغوبة عالمياً إلى درجة كبيرة أحد الميزات المطلقة للاقتصاد السوري التي يمكن البناء عليها في اقتصاد المرحلة المقبلة.
نأتي إلى البعد الاقتصادي حيث وحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء فإن مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ تراجعت بنسبة تصل إلى أكثر من 70% كما تراجع الإنتاج إلى ما يقرب 25% أما الغلة (الإنتاج في وحدة المساحة) فإن التراجع فيها لم يتجاوز 15%.

1214aa

أما قيمة الصادرات من منتجات التبوغ فتراوحت بين 300 مليون ليرة سورية في عام 2008 و225 مليون ليرة سورية في عام 2022 مع الإشارة إلى فروق أسعار الصرف.
كما تبين الأرقام الإحصائية أن هناك قوة عاملة زراعية تتراوح بين 90 إلى 120 ألفاً تعمل بشكل مباشر ضمن السلسلة الزراعية لا التصنيعية لمحصول التبغ.
ووفقاً لبيانات مؤسّسة التجارة الخارجيّة السورية، فقد بلغت قيمة مستوردات المؤسّسة من التبغ في 2018 نحو8 مليارات ليرة، وفي 2017 بلغت قيمة المستوردات 94 مليون دولار من أرمينيا وروسيا.
مع العلم أن الحكومة في النظام البائد كانت قد حددت في العام المنصرم 2024، أسعار شراء كيلو التبغ من المزارعين حسب الأنواع: «تنباك 24000 ليرة، برلي 23000 ل.س/كغ، فرجينيا 24000 ل.س/كغ، بصما 32000 ل.س/كغ، بريليب 28000 ل.س/كغ، شك البنت 27000 ل.س/كغ، كاتريني 28000 ل.س/كغ». (الدولار الأمريكي يعادل 14600 ليرة سورية).
كما تشير الأرقام المتداولة إلى أن عدد المدخنين في سورية يصل إلى 4 ملايين مدخن وهذا يعني بمعدل استهلاك يومي باكيت واحدة وبسعر وسطي 5000 ليرة للباكيت أن قيمة تجارة الدخان فقط تصل إلى ما يقرب 10 تريليون ليرة سورية (ما يقارب مليار دولار بشكل وسطي وبكل المعايير). أي إنه يقارب قيمة تجارة رغيف الخبز.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1214