تفشي السوق السوداء للصرف... آثار كارثية على المواطن والاقتصاد
شهدت سورية منذ سقوط السلطة البائدة تفشياً غير مسبوق لظاهرة السوق السوداء للصرف، حيث باتت هذه السوق تتحكم بسعر الدولار أمام الليرة السورية في ظل غياب أي دور حقيقي للمصرف المركزي أو الجهات الرسمية لضبط الوضع.
فبعد سقوط السلطة، تحولت السوق السوداء للصرف من نشاط يتم في الخفاء إلى ممارسات علنية، وسط فوضى اقتصادية وغياب للرقابة المالية.
هذا الواقع ألقى بظلاله الثقيلة على المواطنين ومعيشتهم، وأدى إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد السوري.
غياب الرقابة وإضعاف الثقة بالدولة
غياب الرقابة المالية شجع تجار العملة والمضاربين الذين يتحكمون بأسعار الصرف لزيادة نشاطهم وتوسيعه، حيث يتم رفع أو خفض سعر الدولار بناءً على مصالح كبار المضاربين وليس بناءً على معطيات اقتصادية حقيقية. هذا الأمر عزز من سيطرة فئة قليلة على سوق العملات، بينما يدفع المواطن العادي الثمن الأكبر.
فالفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي للصرف (13,000 ليرة للدولار) وسعر السوق السوداء الذي وصل إلى (9,000 ليرة) أدت إلى فقدان الليرة السورية لقيمتها الفعلية في التعاملات التجارية، حيث باتت الأسواق تعتمد على الدولار أو حتى العملات الأجنبية الأخرى كبديل موثوق، مما يضعف الثقة بالليرة، كما يضعف السيادة النقدية للدولة.
عملية نهب كبيرة مسيطر عليها
ما يجري في سوق الصرف الموازي هي عملية نهب كبيرة وواسعة ومسيطر عليها من قبل كبار حيتان هذه السوق على حساب المواطنين وعلى حساب الاقتصاد الوطني، مع صفحات مدارة من قبل هؤلاء تدعي تحسن قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية لتكريس نهبهم، الأمر الذي تعرّيه نشرات المصرف المركزي الدورية التي ما زالت تسعر الدولار بـ13000 ليرة، كما تفضحه أسعار السلع في الأسواق التي لم يطرأ عليها تغير يذكر يوازي التغير في سعر الصرف في السوق الموازي.
فالدور الغائب للمصرف المركزي وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة لكبح السوق السوداء أدى إلى تفاقم الأزمة. فغياب أي تدخل رسمي جعل المضاربين والتجار يتحكمون بسعر الصرف، مما جعل الدولة تبدو عاجزة عن ضبط الأسواق أو تقديم أي حلول اقتصادية حقيقية.
تجميد الأعمال والمزيد من التدهور
على الطرف المقابل فإن تقلبات سعر الصرف وعدم استقرار العملة، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة لا تقل أهمية على المستوى الاقتصادي والسياسي، دفع بالكثير من التجار والمستثمرين إلى تجميد أعمالهم أو تحويل أموالهم إلى الخارج، فالكثير من الأنشطة الاقتصادية باتت معطلة وشبه متوقفة، ومع استمرار المضاربات غير المنظمة، تتجه البلاد نحو تضخم متسارع يجعل من أي محاولة لضبط الأسعار أو تحسين الأوضاع المعيشية أمراً في غاية الصعوبة.
فاستمرار تفشي السوق السوداء للصرف في سورية دون أي حلول جذرية سيؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، حيث يدفع المواطن الثمن الأكبر لهذه الفوضى.
التدخل العاجل والضروري
إن غياب الرقابة المالية واستمرار المضاربة بغياب أي سياسة نقدية واضحة يهددان الاستقرار الاقتصادي للبلاد، مما يستدعي تدخلاً فورياً من الجهات الرسمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
فعلى الجهات المسؤولة إعادة النظر في السياسة النقدية من خلال اتخاذ إجراءات حازمة وعاجلة لضبط سوق الصرف، مثل فرض رقابة مشددة على عمليات المضاربة وتشديد العقوبات على تجار العملة غير الشرعيين، ووضع قوانين صارمة لضبط الأسعار ومنع المضاربة بما يحد من الفوضى الاقتصادية ويمنع التجار من استغلال تذبذب الليرة لتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المواطنين.
بالإضافة إلى ما سبق فإن دعم القطاعات الإنتاجية وتقديم التسهيلات اللازمة لها يمكن أن يحد من الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي يقلل الضغط على الطلب على الدولار، مما يساعد في استقرار سعر الصرف تدريجياً، ويحسن فعلياً من قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1212