دير الزور... مهمشة وخارج التغطية سابقاً وحالياً!

دير الزور... مهمشة وخارج التغطية سابقاً وحالياً!

عقودٌ مضت والمنطقة الشرقية عموماً مهمشة، ومنها دير الزور، والآن ورغم مرور شهر ونيّف على سقوط السلطة، لا تزال دير الزور خارج التغطية الفعلية، وتعاني من التهميش والمشاكل الخطرة، وخاصةً الفلتان الأمني.

أسبوعٌ من الرعب

شهر ونيّف مرّ، أصبحت دير الزور في غرب الفرات في بدايته خارج التغطية والقانون، وعاش الأهالي في بدايته أسبوعاً من الرعب، حيث اجتاحت عصابات المسلحين واللصوص، دوائر الدولة والممتلكات العامة من مشافٍ ومستوصفاتٍ ومالية دير الزور والسجل المدني والمدارس ودائرة الكتب المدرسية، وصالات التجزئة، حيث نهبت وسرقت كل محتوياتها، مع إتلاف ما لم يمكن نقله، وكذلك أقسام الشرطة والفروع الأمنية ومستودعات الأسلحة حيث نهبت ما فيها من أثاثٍ وأجهزة وأسلحة، وما رافق ذلك من إطلاقٍ للنار لترهيب المواطنين ومنعهم من الخروج، وتحولت الأسلحة إلى تجارة بأسعار بخسة، وكذلك العديد من المحلات والمستودعات الخاصة وفرن الجاز بما فيه من طحين ومازوت وأجهزة، بالإضافة إلى اقتحام بعض المنازل وابتزاز أصحابها، وبالتالي لم يستطع الأهالي مغادرة منازلهم خوفاً على أنفسهم.
هدأت الأمور قليلاً بعد أسبوع، بعد أن دخل مسلحو «قسد»، التي استولت بدورها على بعض الأجهزة والأسلحة الثقيلة، ثم ما يسمى «مجلس دير الزور العسكري» التابع لقوات قسد والمنشق عنها، وانسحبت. وكذلك دخل مسلحو «الجيش الحر»، الذين جاؤوا من قاعدة التنف في البادية المحمية أمريكياً.
وما زالت دير الزور مهملة ومهمشة كما السابق، فرغم مرور شهرٍ ونيّف تعاني من الفلتان الأمني والسرقات والجرائم والتشليح، وغالبية المسلحين غير معروفي الهوية من قبل الأهالي ولأي فصيل ينتمون، حيث باتوا يفرضون ممارساتهم الترهيبية في الأماكن العامة، كالحدائق والطرقات.
فلم تدخل قوات ردع العدوان إلى الآن، وإنما دخل بعض رموزها وقيادييها لإدارة دوائر الدولة، وهؤلاء يفرضون بعض الممارسات أيضاً، كالفصل بين الذكور والإناث في الدوائر والجامعة ووسائل النقل، وتخريب شجرة تحمل صور وأسماء الشهداء في إحدى الساحات، ويعاني الأهالي كذلك من تأخر استجابتهم لشكاواهم واتصالاتهم على أرقام الطوارئ المخصصة، لمواجهة مشاكل المسلحين، حيث يأتون بعد ساعتين ويكون «اللي ضرب ضرب، واللي هرب هرب»!

واقعٌ مأساوي

ما حصل في دير الزور خلق للأهالي مآسي كبيرة، إضافة إلى المعاناة السابقة من التهميش، ومن هيمنة وممارسات أجهزة السلطة الساقطة!
فالمشافي كلها خارج الخدمة، باستثناء المشفى الوطني «العسكري سابقاً»، وكذلك غالبية دوائر الدولة والمدارس، إضافة إلى رعونة أصحاب الدراجات النارية من الشباب المهمش، وكذلك من شح الخدمات كالاتصالات والنظافة، وخاصة الكهرباء وانعكاس انقطاعها الطويل على استجرار المياه، وكذلك من الزيادة في سعر ربطة الخبز، حيث تباع بـ 4500 من المعتمد، وعدم توفره خاصة يومي الخميس والجمعة، ومن ارتفاع الأسعار الفاحش للخضروات خاصة، حيث يباع كغ الفليفلة الحادة بـ 20 ألف والباذنجان 15 ألف والخيار بـ 12 ألف، والبندورة بـ10 آلاف، وعدم قدرة الأهالي على الشراء، وخاصة العاملين والمتعاقدين في الدولة، فغالبيتهم لم يقبضوا رواتبهم، ناهيك عمن فقدوا عملهم من هؤلاء!

العمال والموظفون خائفون

يسيطر الخوف على العمال والموظفين هم وأسرهم من شبح البطالة والجوع نتيجة التوجهات التي يجري التخطيط لها من وزراء حكومة تسيير الأعمال الحالية، اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً، حيث معامل دير الزور كلها خربت ونهبت، وما يجري من إحصاءات للتخلي عنهم، سواء في المعامل والمؤسسات الإنتاجية أو الخدمية، بحجة أنهم عمالة زائدة وغير منتجة، وهؤلاء عددهم بالآلاف، ومعهم أسرهم عشرات الآلاف، ناهيك أن رواتبهم في الأصل شحيحة لا تسمن ولا تغني من جوع.

الزراعة في مهب الريح

حسب الخطة الزراعية التي وضعتها مديرية الزراعة قبل سقوط السلطة، زراعة 20 ألف هكتار بالقمح، وإلى الآن لم تتم زراعة سوى 12 ألف هكتار، مع اقتراب فترة الزراعة عل نهايتها، وذلك لعدم قدرة الفلاحين على توفير مستلزمات الزراعة والإنتاج، وخاصة أن بعضهم إلى الآن لم يقبضوا قيمة فواتير محصولهم من القطن، حيث تمنح قروض للبعض منهم بموجب كفالة فواتيرهم غير المقبوضة.
انخفاض المساحات المزروعة بهذا الشكل ستكون نتائجه سيئة على الفلاحين، وعلى اقتصاد المحافظة وسورية ككل، حيث يعني ذلك عدم توفر القمح الكافي لتحقيق الأمن الغذائي للسوريين.
الإيجابية الوحيدة المسجلة على المستوى الزراعي هي قيام الأهالي في موحسن باستعادة أراضيهم، وأراضي ذويهم من الغائبين والمهجرين، التي مُنحت لمستثمرين من أزلام السلطة الساقطة رغماً عنهم خلال السنوات السابقة.

معاناة مزدوجة تنتقص الفرح!

لا شك أن معاناة أهالي دير الزور، مثل معاناة السوريين ككل، هي معاناة مزدوجة، من تركة السلطة الساقطة الثقيلة، ومن السياسات والقرارات والممارسات الارتجالية والانفرادية لحكومة تسيير الأعمال الحالية، والتي تتنافى مع حدود مهمتها المؤقتة، الأمر الذي انتقص من فرحتهم!
فقرارات حكومة تسيير الأعمال لا تأخذ الواقع والمستقبل بعين الاعتبار، بالإضافة إلى أنها تفتقد إجماع السوريين عليها، حيث لم يجر أخذ رأيهم ورأي القوى والفعاليات السياسية ككل عبر حوار واسع وشامل للسوريين كلهم دون استثناء، وصولاً إلى توافق وطني على حكومة مؤقتة تحظى بالشرعية، عسى يستكمل السوريون فرحتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1210