جرمانا ضحيةٌ لتفاقم الأزمات الخدمية ونموذجٌ للتّحديات الراهنة

جرمانا ضحيةٌ لتفاقم الأزمات الخدمية ونموذجٌ للتّحديات الراهنة

مدينة جرمانا القريبة من العاصمة، وأكثر مدن الريف ازدحاماً، يقبع فيها ملايين المواطنين في دهاليز شوارع ممتلئة بالقمامة. طرقاتها مُحفَّرة وغارقةٌ بمياه الصرف الصحّي، مع غيابٍ شبه تامّ للكهرباء والماء. واقعٌ خدمي شديد السوء وهو ليس وليد اللّحظة، بل مزمنٌ ومتراكم منذ سنين بلا حلول، ولطالما تحدّثنا عنه.

خلال جولتنا في المدينة، الحاضنة لتنوّعٍ اجتماعي وثقافي كبير، ومن خلال حديثنا مع بعض الأهالي، أكّدوا لنا تفاقمَ الواقع الكارثي الذي آلَ إليه حالُ المدينة.
فالبنية التّحتية منهارةٌ سلفاً بسبب شدّة الازدحام والكثافة السكانية، التي ترافقت مع التوسّع العمراني شبه العشوائي على البنية التحتية المتهالكة نفسها (شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء والهاتف) بالإضافة إلى الطرقات المهملة المليئة بالحفر.
لكن الأكثر إلحاحاً الآن بالنسبة للأهالي هو ضرورة حلّ مشكلة المياه، فليس هناك برنامج موحَّد لضخّ المياه، بالإضافة لاستمرار التوزيع غير العادل وضعف الشبكات وقدمها الذي أثّر على جودة المياه، التي كانت وما زالت تصل إلى بعض المنازل مع أتربة، حتى امتنعَ سكانُ جرمانا عن شربها أو الطهو بها منذ عقود، وباتوا يعتمدون على شراء مياه الشرب من الباعة الجواليّن مما زاد أعباءَهم المادية. وما فاقمَ الوضع أكثرَ مؤخَّراً هو التردّي الكهربائي نتيجة ارتباط توريد الماء بتوفر الكهرباء شبه الغائبة!
كل هذا كرّس حاجةَ سكان المدينة للصهاريج، فلا بديل آخر سواها رغم تكلفتها المرتفعة والباهظة، لكن مع غياب الرقابة والضوابط بات أصحاب الصهاريج يسعِّرون الماء على مزاجهم، مستغلّين حاجة المواطن لها!
معضلة الكهرباء في جرمانا انعكست سلباً على حياة المواطن ابتداءً من الماء مروراً بالتدفئة وصولاً للإنارة وليس انتهاءً بالشوارع المظلمة الموحِشة، كلُّها عوامل جعلت من الحياة في جرمانا أشبه بمعركة استنزاف يومية.
والمشكلات الخاصة بالكهرباء كثيرة ومتعدّدة تبدأ بعدم انتظام برنامج التقنين، وصولاً إلى ساعات الانقطاع الطويلة، وليس انتهاءً بقِدَمِ شبكة الكهرباء وأعطالها الكبيرة، فقد شهدت العديد من أحياء جرمانا انقطاعات كهربائية تجاوزت 72 ساعة، بالإضافة إلى الأسلاك الكهربائية المتدلّية، وتلك المربوطة بقطعة خشبية بغية إبعادها عن بعضها لمنع التماس «الكونتاكت»، لكن كلّ ذلك لا يقارَن بأهمّيتها ارتباطاً بحل مشكلة المياه.
أمّا المشكلة الأكثر كارثية في المرحلة الراهنة فتتمثل بالقمامة، ككارثة بيئية وصحّية، فتكدُّسُ القمامة في الشوارع والأحياء السكنية باتَ مشهداً مألوفاً في جرمانا، فعلى الرغم من وجود الحاويات إلّا أنّها لا تكفي من حيث العدد؛ فانتشارُها لا يغطّي الحارات كافّةً، ممّا أدى لانتشار العديد من المكبّات العشوائية المتروكة لعبث الحيوانات الشاردة والقوارض، مخلّفة بيئة خصبة لنمو الحشرات والذباب وما تنشره من أمراض وأوبئة، والمعضلة الجديدة الأهمّ هي عدمُ ترحيل القمامة التي تراكمت وسدَّتْ العديد من الحارات، حتى أبواب بعض المدارس باتت شبه مغلقة بالنفايات!
أزمات جرمانا ليست وليدة اللّحظة؛ بل هي نتيجة تراكم طويل من الإهمال والعشوائية، منذ ما قبل انفجار الأزمة، وما زالت مستمرّة من سيِّئ إلى أسوأ حتى الآن.
وربما يمكن القول إنّ مدينة جرمانا تُعَدُّ نموذجاً للتحديات التي تواجه المدن السورية كافة في ظلّ الظروف الحالية.
فرغم التحديات الهائلة، ورغم يقيننا أنّ الحلول لن تكون سهلة وسريعة، لكنها ضرورية لإنقاذ المدينة من أزماتها المتفاقمة.
فإصلاح الواقع الخدمي في جرمانا ليس مجرَّد مطلبٍ لسكّانها، بل هو مسؤولية وطنية يجب أنْ تكونَ على رأس أولويّات الجهات المعنيّة حالياً، لأنَّ النهوض بجرمانا يعني النهوض بمنطقة تُعَدُّ مِن الأعمدة الحيوية المحيطة بالعاصمة دمشق، نظراً للكثافة السكّانية فيها أوّلاً، ونظراً لما تعكسُه من تنوُّع وغنىً مجتمعيّ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206