الرقابة الإلكترونية على وسائل النقل العام فشل في تحقيق الأهداف وتكلفة مرتفعة!

الرقابة الإلكترونية على وسائل النقل العام فشل في تحقيق الأهداف وتكلفة مرتفعة!

شهد قطاع النقل العام، في دمشق وغيرها من المدن، في السنوات الأخيرة، محاولات لإدخال تقنيات حديثة من أجل تحسين الرقابة على حركة الآليات وضبط استهلاك الوقود.

وقد كان تركيب أجهزة التتبع GPS إحدى هذه المحاولات التي روج المسؤولون أنها ستسهم في حل مشاكل الازدحام، وضبط خطوط السير، وتخفيف التكاليف الناجمة عن انحراف بعض السائقين عن الخطوط المخصصة لهم، والحد من الإتجار بالمشتقات النفطية!
ومع ذلك، وعلى الرغم من التكلفة الكبيرة التي تكبدها السائقون لتركيب هذه الأجهزة، فإنها فشلت إلى حد بعيد في تحقيق الهدف المنشود المعلن عنه والمروّج له رسمياً على أنه الحل الشافي والكافي!

أجهزة التتبع تكلفة بلا فائدة!

تم تركيب أجهزة التتبع كوسيلة إلكترونية حديثة لمراقبة حركة المركبات بهدف الحد من التلاعب بالوقود، وضمان التزام السائقين بالخطوط المحددة.
غير أن هذه الأجهزة، التي تحمّل المواطنون تكاليفها بالنتيجة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لم تحقق الغايات المطلوبة، وخاصة ما يتعلق بتوفر وسائل المواصلات والحد من الازدحامات عليها!
ففي الواقع، شكّل التطبيق العملي لهذه التقنية عائقاً جديداً أمام الوصول إلى الأهداف المرجوة والمروجة، فالعديد من المواطنين أشاروا إلى أن الأجهزة لم تضبط فعلياً حركة الآليات كما يجب، ولم تحسّن بشكل ملموس من التزام السائقين بالخطوط، مما أدى إلى نتائج مخيبة للآمال بالنسبة إليهم!

مستشعرات البصمة بدعة جديدة!

في خطوة جديدة، كشف مدير النقل في دمشق، عمار غانم، أنه سيتم تركيب مستشعرات بصمة في بداية ونهاية كل خط، لضمان وصول السائقين إلى نهاية خطوطهم المحددة. إذ إن الكثير من السائقين كانوا يتوقفون قبل نهاية الخط هروباً من الازدحام أو لتقليل التكاليف التشغيلية، مما زاد من الضغط على المدينة وأدى إلى صعوبات في حركة المرور.
ويهدف هذا الإجراء إلى ضبط عمل السائقين بشكل أفضل وإلزامهم بالوصول إلى نهاية الخط، مما يمكن أن يسهم في تخفيف الضغط عن المدينة. ومن المفترض أن تتم هذه العملية الجديدة خلال عشرة أيام، مع بدء تنفيذ التجربة لأول مرة في بعض الخطوط، قبل أن تعمم في حال أثبتت فعاليتها.
ورغم النية المعلنة بتحسين النظام عبر هذه الإضافات الإلكترونية، يبقى التساؤل المطروح هو إلى أي حد ستكون مستشعرات البصمة فعالة في ضبط حركة النقل العام؟ وهل ستتمكن من حل المشكلة التي فشلت فيها أجهزة التتبع الإلكتروني من قبل، خاصة إذا كانت مكلفة ولا تدر الفائدة الملموسة بالنتيجة؟
وفي هذا السياق، تسود حالة من القلق بين السائقين والمواطنين على السواء، إذ يشعر بعض هؤلاء بأن هذه البدعة الإلكترونية الجديدة ستأتي على حسابهم وتزيد من أعبائهم المالية، بينما يرى آخرون أن المبالغ المصروفة عليها قد تكون مبررة إذا نجحت في تحسين الخدمة حقاً!

أرباح المستفيدين من البدع الإلكترونية على حساب المواطنين!

تفتح خطوات استيراد وفرض تركيب الأجهزة الإلكترونية، بذريعة مراقبة النقل العام، أبواباً واسعة للتساؤلات حول مَن المستفيد الحقيقي من الصفقات المروج لها والمتبناة رسمياً، عبر بوابات مشرعة لفرضها على المواطنين وعلى حسابهم!
فعلى الرغم من ضعف فعالية بعض هذه التقنيات بالدليل الملموس، إلا أن تكلفتها المالية الكبيرة تكشف عن وجود شريحة من المستوردين والمستثمرين الذين يجنون أرباحاً طائلة منها، وذلك على حساب المواطن الذي يتحمل تكاليفها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على شكل خدمات غير فعالة وازدحام مستمر!
فمن الواضح أن هناك شريحة محددة من المستوردين والمستثمرين، بالإضافة إلى بعض النافذين، تستفيد بشكل مباشر من صفقات استيراد وفرض بيع وتركيب هذه التجهيزات الإلكترونية!
فالعقود المبرمة لتأمين هذه التجهيزات تتم بطرق غير شفافة، بعيداً عن المنافسة المفتوحة، ما يعني احتمالية واسعة لتضخيم أسعارها بغاية تحقيق المزيد من الأرباح، بل يبدو أن هذه العقود موجهة مسبقاً لشركات معينة محظية، ليصبح الهدف الأساسي من استيرادها وفرض بيعها تحقيق الربح لها بدلاً من خدمة المواطنين المروج لها!
ليتبين تماماً أنه بينما تستمر فئة محدودة في جني الأرباح، يبقى السائقون تحت ضغط مالي مستمر، ويعاني المواطنون من استمرار الزحام وتكريس التراجع في كفاءة خدمة النقل العام!

الرقابة الإلكترونية ليست الحل الوحيد!

من الواضح أن مشكلة النقل العام لا يمكن حلها فقط من خلال الأجهزة التقنية وإبداعاتها وفق الصيغ المعمول بها والمطبقة بما يحقق مصالح البعض المحظي فقط، بل تتطلب حلولاً شاملة تتضمن تحسين البنية التحتية، وزيادة عدد وسائط النقل، وزيادة خطوط الخدمة، وتخفيض تكاليفها على المواطن، بالتوازي مع تبسيط الإجراءات الرقابية شريطة جديتها وفاعليتها، ولعل الأهم بهذا السياق هو إعادة الاعتبار لشركات النقل الداخلي العامة في جميع المحافظات، وفسح المجال أمامها لتكون منافساً حقيقياً وفاعلاً في حل مشكلة النقل لمصلحة المواطنين!
فالرقابة الإلكترونية بهذا السياق يمكن أن تكون جزءاً من الحل بحال حسن استخدامها وجديته، ولكن اعتمادها وحدها لن يكون مجدياً في ظل التحديات الكثيرة والكبيرة التي يدفع ضريبتها المواطن منفرداً بعجزه في الكثير من الأحيان عن الحصول على مقعد في إحدى وسائل المواصلات!
فالحلول التكنولوجية يجب أن تكون وسيلة لتحقيق غاية، وليس مجرد وسيلة ضغط جديدة تمارس على السائقين والمواطنين، وبما يضمن الأرباح السهلة للبعض، بحسب ما هو معمول!
فواقع الحال يقول إن هناك غياباً تاماً للمراجعة الدورية للخطوات المتخذة سابقاً عبر فرض أجهزة التتبع، بذريعة ضمان تحقيق الفوائد المرجوة وتحسين خدمة النقل العام، بما يصب في مصلحة الجميع!
فهل نحن بحاجة إلى حلول تكنولوجية إضافية بعد كل ما سبق؟
والسؤال المطروح الآن، وبعد الإعلان عن بدعة المستشعرات الجديدة، فيما إذا كانت هذه التقنية الجديدة ستحقق الأهداف المرجوة منها، أم إنها ستواجه نفس مصير أجهزة التتبع، مقابل استفادة بعض المستوردين وأصحاب الأرباح والفاسدين من فرضها؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1201