شتاء المفقرين والرعاية الرسمية!

شتاء المفقرين والرعاية الرسمية!

تحول الشتاء بالنسبة إلى الغالبية العظمى من السوريين، وخاصة الغالبية المفقرة، من كونه مجرد فصل من فصول الدورة الطبيعية للأرض حول الشمس، إلى صورة قاتمة وراسخة في أذهانهم!

فما إن تأتي أولى ملامح هذا الفصل حتى تصبح تلك الصورة بما تحتويه من ذكريات باردة وأيام قاسية، وعجز عن تأمين أي شيء يدفئ أجسادهم المنهكة، الصورة الوحيدة المسيطرة على عقولهم، لا يرون غيرها ولا يتذكرون سواها، نتيجة للحياة التي خبروها وعايشوها تحت وطأة برد هذا الفصل، وقسوته خلال السنوات الماضية!

مسلسل تقصير الحكومة يبدأ مع بداية البرد!

كعادتها، تصر الحكومة وعند كل مفترق يمكّنها من إعادة الثقة بينها وبين الناس، وترميم ما يمكن ترميمه في علاقتها مع الغالبية العظمى من المفقرين والمتعبين، على نهجها وطريقتها في إدارة البلاد بالضد من مصالح هؤلاء، وتصر على الوقوف في الجهة المقابلة لهم، فتحاربهم بلقمة عيشهم وبصحتهم وببردهم ودفئهم!
وهل لها أن تفوّت فرصة ذهبية مثل قدوم فصل الشتاء لتعزز انعدام الثقة بينها وبينهم؟
بالتأكيد لن تفوتها وستستغلها بأحسن الطرق، وكانت أولى خطواتها في هذا السياق رفع سعر مازوت التدفئة ببداية شهر 10 من العام الحالي بنسبة 150%، حيث أصبح سعر الليتر 5000 ل.س بعد أن كان 2000 ل.س، كتخفيض إضافي على دعم هذه المادة، ويأتي ذلك بحسب الادعاءات الرسمية من أجل «ضمان توفير المادة للمواطنين»!
ولكن رفع سعر مازوت التدفئة ليست غايته توفير المادة، وإنما المزيد من الفرص لنهب وسرقة جيوب المفقرين عبر أقنية السوق السوداء، التي تنتعش أكثر مع بداية فصل الشتاء!
أما عن توفيرها عبر الأقنية الرسمية فنعرض فيما يلي واقع توزيع مادة مازوت التدفئة منذ بدئها وحتى تاريخه وبمختلف المحافظات بالاستناد إلى التصريحات الرسمية:
أوضح مدير محروقات حلب المهندس رشاد سالم لتلفزيون الخبر في 14 من الشهر الجاري، «أن عملية توزيع مازوت التدفئة بدأت في الثالث من تشرين الماضي، وحتى الآن تم توزيع مليوني لتر لما يقارب 40 ألف بطاقة، أي ما نسبته 6%.»، وأضاف سالم «إن عملية التوزيع محكومة بالتوريدات والتوريدات عموماً ضعيفة، الأمر الذي ينعكس سلباً على عملية التوزيع.»
وفي تصريح لعضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية والمحروقات في حمص عمار الداغستاني الأسبوع الماضي أشار إلى أن «عدد الطلبات المنفذة والموزعة منذ بدء العملية في تشرين الأول وحتى تاريخه بلغ 57,314 طلباً، أي ما نسبته نحو 13.3% بمعدل 23 ألف لتر شهرياً.»، وقال الداغستاني: «إن العملية تسير بشكل بطيء نسبياً لكن هناك وعود بزيادة الكميات بعد تحسن التوريدات، علماً أن نحو 9.2% من كمية المادة الواردة إلى المحافظة تذهب للتدفئة.»
وكان عضو المكتب التنفيذي في محافظة اللاذقية الدكتور معلى إبراهيم أوضح في حديثه الأسبوع الماضي لتلفزيون الخبر، أن «عدد البطاقات التي تم تنفيذها في محافظة اللاذقية بلغت 22,041 بطاقة بنسبة 6.5% فقط.»، وأكد إبراهيم «أن عملية التوزيع بطيئة كون الواردات قليلة، لأن ما يصل المحافظة يومياً نحو 36 ألف لتر يتم توزيعها، ولكن هناك وعود بتعزيزات أيام العطل، الأمر الذي سيسرع من العملية، ولكن في حال بقيت كما هي سيأتي الربيع ولا ننتهي من عملية التوزيع.»
وكشفت مصادر مسؤولة في دمشق لصحيفة الوطن أن عدد الطلبات المسجلة على مازوت التدفئة بدمشق يقدر بـ 511 ألف طلب نفذ منها بحدود 31 ألف طلب، بنسبة تنفيذ 6% حتى تاريخ 12 من الشهر الجاري. مع الإشارة إلى أن بدء توزيع المادة كان مع بداية شهر تشرين الأول أي مضى نحو 40 يوماً على بدء التوزيع.
ما سبق هو واقع توزيع مادة مازوت التدفئة منذ بدء عملية التوزيع في بداية شهر تشرين الأول وحتى منتصف الشهر الجاري، ويبدو من خلال هذه التصريحات أن وسطي نسبة التوزيع بمختلف المحافظات لم يتجاوز 8% بعد مرور 40 يوماً تقريباً، وعليه فإن إتمام عملية التوزيع في حال استمرار الوضع على ما هو عليه سيستغرق 500 يوم بالحد الأدنى!

فصل الشتاء بالنسبة للحكومة مدته سنة وثلث!

يبدو أن الحكومة المبجلة نسيت البديهيات التقويمية للسنة، وأن السنة تتألف من أربعة فصول، ومدة فصل الشتاء ثلاثة أشهر، أو أنها تحاول أن تتحكم بقوانين الطبيعة وتجعل من مدة فصل الشتاء أطول مما هو عليه تماشياً مع آليات عملها البطيء!
فبناء على التصريحات أعلاه، فإن إتمام عملية التوزيع بنسبة 100% على هذه الحالة سيستغرق 500 يوم بالتمام والكمال، أي تقريباً سنة وثلث، وبالتالي فإن الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تسرع عملية التوزيع بالشكل الذي يتماشى مع قوانين الطبيعة، على اعتبار مدة فصل الشتاء ثلاثة أشهر، أو أنها بحاجة إلى تحدي هذه القوانين وإطالة أمد فصل الشتاء ليصبح 500 يوم بدلاً من 90 يوماً!
فهل التحكم بقوانين الطبيعة أسهل وأفضل على الحكومة من تأمين مادة المازوت بالكميات– المنخفضة أساساً– والتي تبلغ 50 لتراً للأسرة، وهي لا تكفي عشرة أيام في حال توفرها؟!

السوق السوداء وسماء المفقرين!

سماء المفقرين والمعدمين خارجة عن الطبيعية، فهي ليست زرقاء، بل شديدة السواد، وهي لا تمطر، إنما تبكي عليهم وعلى ما يعانون منه، وعلى أيامهم كيف تمضي خلال أشهر الشتاء!
فعتمة سماء المفقرين تتأتى من كثافة ظلال السوق السوداء المعتمة المسيطرة على حياتهم خلال فصل الشتاء، وبرعاية رسمية!
فاحتياجات الأسر من مازوت التدفئة بات من المستحيلات توفيرها، خاصة مع تسجيل العجز عن تأمينها عبر حيتان هذه السوق وبأسعارها الكاوية، أو باللجوء إلى تجار الحطب الذين لا يقلون سوءاً، وكذلك الحال مع السوق السوداء للغاز المنزلي الذي بات من المستحيل الاعتماد عليه للتدفئة، وقد سبق أن خرجت الكهرباء من معادلة الدفء أيضاً، والنتيجة استمرار المعاناة من قسوة البرد طيلة فصل الشتاء، مع كل ما يخطر بالذهن من انكسار رب الأسرة أمام مشاهدة أطفاله بهذه المعاناة مقابل عجزه، على الرغم من كونه يصل الليل بالنهار بالعمل، دون تمكّنه من الحصول على كفاية أسرته من الاحتياجات بحدودها الدنيا!
وكيف سيكتفي أي رب أسرة مفقر والجهات الرسمية المسؤولة والمعنية تتنصل من واجباتها، بل وتحاربه وتستهدف جيوبه وتقتل إمكانياته، لتتركه وحيداً ليناطح حيتان المال في الأسواق البيضاء والسوداء، ليضاعف هؤلاء ثرواتهم على حساب حياة هذا الأب وتجمُّد صغاره أمام عينيه؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1201