السجيل الزيتي استثمار مهدور رسمياً ومحجوز للقطاع الخاص!
تحتل سورية المرتبة الثالثة عربياً في حجم احتياطات الصخر الزيتي، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى وجود احتياط بما يقارب 38–40 مليار طن، بينما تحتل الأردن المرتبة الأولى باحتياط نحو 70 مليار طن، والمغرب بالمرتبة الثانية باحتياط بحدود 50 مليار طن.
ويعتبر السجيل الزيتي مصدراً مهماً للطاقة لاحتوائه على مواد يمكن تحويلها إلى مشتقات نفطية، وبالتالي الاستفادة منها بشكل كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية.
لمحة تاريخية!
الحديث عن هذا المورد الطاقي في سورية يعود إلى عام 1984، وذلك بحسب ما توضحه دراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في عام 2003 تحت عنوان «الجيولوجيا والموارد من بعض رواسب الصخر الزيتي في العالم»، حيث تم إجراء الاختبارات على الصخر الزيتي السوري لأول مرة في العام 1984 من قبل إحدى الشركات الماليزية المختصة بهذا المجال، وخلصت نتائج الاختبارات أن نسبة النفط التي يمكن استخراجها من الصخر الزيتي تتراوح بين 7–12% من الوزن، وهذه المؤشرات تقع ضمن المدى الطبيعي والمنتج الذي يتراوح بالعموم بين 5–30%.
وكان أول إعلان رسمي لهذا المورد في سورية في أيار/2010، حيث أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية عن اكتشاف كميات هائلة من السجيل الزيتي في منطقة خناصر بمحافظة حلب، وفي منطقة وادي اليرموك في محافظة درعا، وقدّرت الكميات الموجودة في حينه بنحو 38 – 40 مليار طن من مادة الصخر الزيتي، وذلك في منطقة خناصر بحلب وحدها!
استثمارات دولية ناجحة
عند الحديث عن الدول التي تستثمر السجيل الزيتي في إنتاج الكهرباء، يظهر لنا أمثلة ونماذج ناجحة بشكل كبير، ولعل أهمها على المستوى الإقليمي الأردن، وعلى المستوى العالمي أستونيا.
فعلى سبيل المثال أنتجت أستونيا في العام 2018 نحو 70% من حاجتها من الطاقة الكهربائية باستخدام الصخر الزيتي، إضافة إلى أن قطاع صناعة الصخر الزيتي بمختلف مراحله يستوعب نسبة عمالة كبيرة في أستونيا.
وفيما يخص الاستثمار الأردني ففي نهاية العام 2018 بدأت الأردن بتنفيذ المرحلة الأولى من محطة العطارات لتوليد الطاقة الكهربائية بتقنية الحرق المباشر، وباستطاعة تصل إلى 470 ميغا وات. مع العلم أن إنتاج المحطة للكهرباء بدأ في عام 2022، أي بعد ثلاث سنوات تقريباً من بدء المرجلة الأولى للتنفيذ. ووفقاً للتقارير السنوية الصادرة عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية للأعوام 2022 و2023 تم تشغيل الوحدة الأولى من المحطة في عام 2022 باستطاعة 235 ميغا وات، والوصول إلى التشغيل الكامل للمحطة بدخول الوحدة الثانية للإنتاج خلال عام 2023 بالاستطاعة الكاملة وتبلغ 470 ميغا وات. إضافة إلى ذلك فإن مزيج الطاقة في الأردن في عام 2022 كان 5% من الطاقة الكهربائية أنتجت باستخدام الصخر الزيتي.
أما بالنسبة للبيانات التشغيلية لمحطة الصخر الزيتي، فيوضح التقرير أنه تم استهلاك نحو 1114.5 طناً (مكافئاً للنفط)، ما يعادل 5,572 طناً من الصخر الزيتي، وبالنسبة للطاقة الكهربائية المنتجة فقد بلغت نحو 2.99 مليار كيلو وات ساعي، أي إن كل 1 طن تم استثماره من الصخر الزيتي نتج عنه تقريباً 536 كيلو وات ساعي. ومن المتوقع أن تنتج الأردن نحو 15% من حاجتها للكهرباء باستخدام الصخر الزيتي في نهاية العام 2024.
ماذا لو تم استثمار الصخر الزيتي محلياً في إنتاج الطاقة الكهربائية؟
نُقل عن المهندس يوسف الفروخ، مدير فرع الجيولوجيا في محافظة درعا، في كانون الثاني 2010، أنه يمكن الاستفادة من الصخر الزيتي المكتشف في وادي اليرموك في إنتاج الكهرباء باتباع طريقة الحرق المباشر، وفي حديثه عن مواصفات الصخر الزيتي في حينه، أن متوسط القيمة الحرارية (الكالوري) يتراوح بين 1026 و1700 كيلو كالوري أو كيلو سعرة حرارية لكل 1 كغ من الصخر الزيتي.
وباختصار، نتيجة الحسابات وعوامل التحويل بين وحدات القياس الطاقية، يتبين مثلاً أن حرق 1 طن من الصخر الزيتي وفقاً لحسابات مدير فرع الجيولوجيا أعلاه وبالحدود الدنيا، ينتج 475 كيلو وات ساعي، وهذا الكم من الإنتاج بالحسابات النظرية قريب من معدلات الإنتاج الفعلي في الأردن.
وفي تصريح لوزير الكهرباء السابق بسام طعمة مع قناة الإخبارية السورية في عام 2021 قال: إنه يمكن استغلال مادة الصخر الزيتي في إنتاج الكهرباء بطريقة الحرق المباشر، وبالنسبة للكلفة التأسيسية أضاف الوزير أنه عادة في إنشاء محطات التوليد الكهربائية التقليدية فإن 1 ميغا ككلفة تأسيسية تكلف مليون دولار، وفي السجيل الزيتي فإن الـ 1 ميغا تكلف نحو مليون ونصف مليون دولار، لكن لو أخذنا بعين الاعتبار أن 90-95% من كلفة توليد الكهرباء هي ثمن الوقود ذاته، فلتكن التكلفة التأسيسية عالية ولكن لاحقاً التكلفة التشغيلية ستكون منخفضة.
بالمقابل وبحسب تصريحات وزير الكهرباء السابق غسان الزامل في بداية العام الحالي، فإن كمية الإنتاج من محطات الكهرباء تتراوح بين 2000 و2200 ميغا وات، بينما تصل الحاجة إلى 6000 ميغا وات، أي إنتاج سورية من الكهرباء لا يغطي إلا ما يقارب 33% من إجمالي الاحتياجات الحالية، والفجوة الطاقية تقارب 4000 ميغا واط!
ولترميم الفجوة الطاقية، بحال تم استثمار الصخر الزيتي بالحرق المباشر، فإن الكمية اللازمة من هذا الصخر لإنتاج 4000 ميغا واط مقدار العجز الحالي تقدر بنحو 73.7 مليون طن سنوياً، وهي تشكل ما لا يزيد عن 0.18% من إجمالي الكمية المعلن عنها رسمياً في منطقة خناصر بحلب!
وعلى افتراض ثبات الكمية اللازمة سنوياً من الصخر الزيتي لإنتاج الكهرباء لتغطية العجز الحالي بحال استمراره كما هو عليه الآن، فإن احتياطي سورية من الصخر الزيتي، الذي يقدر بـ40 مليار طن، يكفي لتغطية هذا العجز لمدة تتجاوز 500 سنة!
أما عن الكلفة التأسيسية لإنشاء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بحرق الصخر الزيتي، وباستطاعة 4000 ميغا وات مقدار العجز الحالي، فتقدر بنحو 5 مليارات دولار.
فلو تم العمل على إنشاء هذه المحطات بشكل تدريجي خلال السنوات العشر الماضية، فإن متوسط الكلفة السنوية لن يتجاوز 500 مليون دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً كبيراً من هذه المبالغ تم هدره وصرفه على بدائل للطاقة الكهربائية خلال السنوات الماضية، وبمبالغ تقدر سنوياً بنحو 200 – 250 مليون دولار بالحد الأدنى، وهذا ما أشارت إليه قاسيون في مادة سابقة تحت عنوان «أزمة الكهرباء مستمرة وكذلك مسيرة الخصخصة وهدر المقدرات».
الإصرار الحكومي على هدر الفرص الاستثمارية!
بعد كل ما سبق، وعلى الرغم من الاعتراف الرسمي بأهمية وضع السجيل الزيتي المكتشف بالاستثمار، وعلى الرغم من العجز بموارد الطاقة والحاجة المتنامية لحواملها، إلا أن جل ما فعلته الحكومات المتعاقبة هو طرح الفرص للقطاع الخاص للاستثمار بالسجيل الزيتي لإنتاج الكهرباء والمشتقات النفطية، دون أن تتبنى بنفسها هذا الاستثمار!
وآخر مبادرة عكفت عليها الحكومة حول هذا الموضوع كانت بتاريخ 14/10/2024، حيث عُقد اجتماع في وزارة النفط مع هيئة الاستثمار السورية برئاسة وزيري النفط والثروة المعدنية والاقتصاد والتجارة الخارجية، وذلك من أجل مناقشة الفرص الاستثمارية المتاحة في المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، وتم خلال الاجتماع استعراض المشاريع الحيوية في قطاع الجيولوجيا والثروة المعدنية المدرجة على الخارطة الاستثمارية، ومن بينها مشروع توليد الطاقة الكهربائية واستخلاص المشتقات النفطية من السجيل الزيتي. ومناقشة الفرصة الاستثمارية التي مضى على عرضها سنوات طويلة في هيئة الاستثمار دون أن يُقبل عليها أحد من المستثمرين!
علماً أن المشروع المعروض للاستثمار هو لإنتاج الطاقة الكهربائية عبر تقنية الحرق المباشر للصخر الزيتي، بكلفة تأسيسية تبلغ نحو 800 مليون دولار، وبطاقة إنتاجية تقدر بنحو 600 ميغا وات، ويتضمن الإعلان أهداف المشروع ومخرجاته وأهميته وميزات موقعه، وفترة استرداد رأس المال المقدرة بـ 8 سنوات، مع بعض التسهيلات والحوافز للمشروع!
فلماذا لم يتم استثمار هذه الثروة إلى الآن من قبل الحكومة وللمصلحة العامة؟
أم إن مثل هذه الفرصة الاستثمارية ستبقى محجوزة إلى أن يتقدم أحد المحظيين للاستفادة منها، ولو كان على حساب استمرار العجز الطاقي لسنوات إضافية أخرى؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200