أزمة الكهرباء مستمرة وكذلك مسيرة الخصخصة وهدر المقدّرات!

أزمة الكهرباء مستمرة وكذلك مسيرة الخصخصة وهدر المقدّرات!

نقلت جريدة البعث بتاريخ 17/10/2024 حديثاً مطوّلاً عن وزير الكهرباء تناول الواقع الكهربائي والطاقي بعناوين عدة أبرزها:
التوريدات النفطية ومشتقاها غير مستقرة كي يتم بناء المستقبل عليها، فزيادة الإنتاج مرهون بالظروف والاستكشافات النفطية.

النيّة اليوم تتجه نحو ضرورة مراجعة عقود الصيانة والتأهيل، والعمل مع القطاع الخاص الذي يعتبر شريكاً أساسياً ومهمّاً لتحقيق التشغيل الاقتصادي للمحطات.
لأن النفط والكهرباء مسؤولان عن تأمين حوامل الطاقة كان لا بدّ من شراكة جديدة قادرة على ابتداع الحلول كالقطاع الخاص والقطاعات الأخرى، إضافة إلى الطاقة المتجددة وبدأوا بتأمين تلك الحوامل سواء لهم أو لحقنها في الشبكة وبيعها وأصبح هناك مساهمون جدد في هذا المجال.
وختم الوزير حديثه بالقول: اليوم نتعاون كفريق كل حسب اختصاصه والهدف واحد إعادة الإقلاع بهذه المنظومة وتأهيلها للاستفادة من أي كمية فيول أو وقود متوفرة!

استمرار الأزمة وسياسات الخصخصة!

أعادنا الوزير بعبارة الخاتمة أعلاه، وبعد كل التفصيلات بحديثه عبر البعث، مجدداً لنقطة البدء في أزمة الكهرباء المرتبطة بالمتوفر من مشتقات نفطية لتشغيل محطات التوليد، مع سد أفق المستقبل بهذا الشأن، طبعاً مع الاستمرار بمسيرة خصخصة القطاع، المباشرة وغير المباشرة، باعتبار القطاع الخاص قادراً على التشغيل الاقتصادي، مقابل عجز الحكومة عن ذلك، وباعتباره قادراً على ابتداع الحلول، فيما تبدو الحكومة بعيدة عن ذلك أيضاً!
ليتأكد أن الحكومة ماضية بسياسة الخصخصة التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة السابقة، والمترافقة مع جرعات اليأس من أي حلول، بالإضافة إلى جرعات تيئيسية إضافية من إمكانات الدولة نفسها!

مشاريع الطاقات المتجددة متواضعة والحكومة تستثني نفسها منها!

جوهر حديث الوزير يعني أن لاضطرار للبدائل سيستمر، خاصة مع السير حبواً بمجال مشاريع الطاقات المتجددة، التي استثنت الحكومة نفسها عن الاستثمار فيها، تاركة هذا المجال للقطاع الخاص منفرداً، مع تواضع الإنجاز طبعاً!
فقد قال الوزير: لاحظنا خلال الفترات الماضية أن المشاريع التي تخص الطاقة الشمسية تطورت بشكل جيد خلال السنوات الثلاث الماضية وانخفضت تكاليفها نتيجة مرونة التكنولوجية وعدم تعقيدها وخبرات المهندسين السوريين وعلى إثرها تم تخفيض الأسعار حيث وصلنا اليوم فيما يتعلق بالمحطات المربوطة على الشبكة إلى حدود 130 ميغا تضخ كهرباء ومنتشرة في مختلف المحافظات.
ولا ندري كيف يمكن تفسير حديث الوزير أعلاه هل هو متفائل أم متشائم، خاصة مع الاعتماد على القطاع الخاص فقط بمشاريع الطاقات المتجددة دون الدولة!؟
وهل 130 ميغا من مشاريع الطاقة الشمسية، بعد ثلاث سنوات من التهليل والترويج والتسهيلات، كمية إنتاج يعتد بها على مستوى البلد وحاجاته من الطاقة؟!
وكم من السنوات سنحتاج لتغطية العجز في الطاقة الكهربائية على هذا المقياس؟!

قمة الطموح متواضعة أيضاً!

قمة طموح الوزارة هي الوصول إلى 1000 ميغا من مشاريع الطاقات المتجددة للقطاع الخاص بحسب حديث الوزير، مع عدم وضع سقف زمني لإنجاز ذلك أيضاً!
فقد قال الوزير: كانت الخطة أنه في حال الوصول إلى 200 ميغا فيما يخص بعض المشاريع ستتم إعادة النظر في القرار وعندما تأكدنا من فائدة المشاريع النظيفة وجدواها اقترحنا زيادة الاستطاعة المستقلة والفائضة إلى 1000 ميغا على النوعين المذكورين. (المقصود مشاريع الطاقة الشمسية والريحية).
والحال كذلك فإن المدة الزمنية المتوقعة للوصول إلى كمية إنتاج 1000 ميغا من مشاريع الطاقات المتجددة هي 6 سنوات اعتباراً من الآن بالحد الأدنى، بحال كانت السنوات الثلاث الماضية مقياساً للإنجاز!
فهل هذه الكمية من الطاقة، بعد إضافتها إلى الكمية المنتجة من محطات التوليد، ستكفي لتغطية حاجة البلاد المتزايدة خلال السنوات القادمة؟!

العجز مستمر وكذلك هدر الموارد!

في تصريح لوزير الكهرباء السابق، في بداية عام 2024، أن إنتاج سورية من الكهرباء يتراوح بين 2000 و2200 ميغا، بينما تصل الحاجة إلى 6 آلاف ميغا، في حين أن الإمكانية المتاحة لدى محطات توليد الكهرباء تتراوح ما بين 5000 و5500 ميغا، وهي كافية لتحسين الواقع الكهربائي بشكل كبير، ولكن المشكلة في توفير حوامل الطاقة!
على ذلك، وبحال بقيت الحاجة على ما هي عليه بواقع 6 آلاف ميغا بعد 6 سنوات من الآن، وبحال بقي الإنتاج من محطات التوليد على حاله بواقع 2000 ميغا، باعتبار زيادة الإنتاج مرهونةً بالاستكشافات النفطية بحسب حديث الوزير الحالي أعلاه، ومع إضافة 1000 ميغا من مشاريع الطاقات المتجددة للقطاع الخاص بتفاؤل، فسيستمر النقص عن الحاجة الحالية بواقع 3000 ميغا!
فهل هذه هي الخطة الطموحة التي يعول عليها لحل مشكلة الطاقة في البلاد على أيدي الحكومة؟!
وهل سيستمر هدر إمكانات العباد وموارد البلاد على البدائل الكهربائية طيلة السنوات القادمة، إضافة إلى ما تم هدره خلال السنوات الماضية؟!

حسبة اقتصادية بسيطة!

صُرفت الكثير من الأموال على البدائل الكهربائية اضطراراً خلال السنوات الماضية، سواء من قبل المواطنين كمستهلكين منزليين، أو من قبل الفعاليات الاقتصادية في البلاد على اختلاف أنشطتها (صناعية وزراعية وتجارية وخدمية و...)، بسبب كمية التوليد المتواضعة من المحطات مقابل الاحتياجات الفعلية!
فهل توقفت الحكومة عند المبالغ الكبيرة المصروفة لهذه الغاية، والتي تعتبر بغالبيتها أموالاً مهدورة على بدائل كهربائية مستهلكة وعمرها الافتراضي محدود، ما يعني إعادة الصرف عليها مراراً وتكراراً، مثل المولدات والبطاريات والليدات والانفرترات وألواح الطاقة وغيرها!
فبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء فإن قيمة الواردات فيما يخص مصادر الطاقة (بطاريات- مولدات- محولات...) بلغت نحو 98 مليون دولار في عام 2022، ونحو 123 مليون دولار في العام 2021، وإذا ما تمت إضافة الرسوم الجمركية وأرباح التجار والتكاليف الإضافية الأخرى يمكن أن تتجاوز القيمة المالية المصروفة في سبيل اللجوء إلى هذه البدائل ما لا يقل عن 200 – 250 مليون دولار بشكل وسطي سنوياً، بغض النظر عن التكاليف الإضافية مثل الصيانة والوقود ...إلخ!
المبلغ الوسطي المصروف سنوياً أعلاه يمكن اعتبار جزء هام منه موارد مهدورة في غير مكانها بحال دراسة جدواه الاقتصادية العامة بشكل جدي من قبل الحكومة!
فلو كان هناك توجه رسمي، جدّي وشامل وعام ومنظم، يهدف إلى تخصيص الموارد المتاحة في سبيل مواجهة أزمة الكهرباء بما يخدم الصالح العام، لكان من الأفضل استثمار هذه الأموال والموارد عبر إنشاء محطات توليد بالطاقة المتجددة، أو في صيانة محطات التوليد المتوقفة وإعادة تشغيلها، مع توفير ما تتطلبه من مشتقات نفطية بالحد الأدنى!
فعلى سبيل المثال، ووفقاً لتصريح سابق للمدير العام للمؤسسة العامة لتوليد الكهرباء عمر البريجاوي، فإن التكلفة التأسيسية لكل ميغا واط بالطاقة الشمسية تقدر بنحو 900 ألف يورو إلى مليون يورو، ما يعادل تقريباً 1,1 مليون دولار!
وبالتالي فإن الأموال المهدورة والمستهلكة على بدائل الطاقة التي أوضحناها أعلاه، والتي تقدر سنوياً بنحو 200 مليون دولار سنوياً بعد التقليص، لو تم استثمارها بإنشاء مشاريع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لكان بالإمكان توليد 200 ميغا واط سنوياً، أي ما يعادل 3% تقريباً من إجمالي الاحتياج الكلي، وما يقارب 5% من العجز الموجود!
وبحسبة بسيطة لو تمت هذه العملية خلال السنوات الخمس السابقة فقط، أي زيادة إنتاج الكهرباء بواقع 200 ميغا سنوياً عبر الطاقة الشمسية، لوصلنا إلى 1000 ميغا الآن، وهو ما يعادل 25% تقريباً من إجمالي العجز الموجود، ومع إضافة 1000 ميغا إضافية خلال السنوات الخمس القادمة يتم تغطية 50% من العجز، وذلك فقط بهذه الأموال بحال وجود نية لحل الأزمة بشكل فعلي وجاد رسمياً!
ولكن يبدو من التوجه الرسمي المعلن للحكومة على لسان الوزير أعلاه أن أزمة الكهرباء ستستمر، واستنزاف الموارد مع مسيرة الخصخصة كذلك الأمر، وكل ذلك بما يؤمن ويضمن استمرار مصالح القلة القليلة من كبار الحيتان وتجار الأزمة والفاسدين، التي لها الأولوية دائماً وأبداً، على حساب مصلحة العباد وموارد البلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1199