بيان حكومي إنشائي يكرس تراجع القطاع الصحي العام!
تستمر معاناة القطاع الصحي، وتستمر معها معاناة المواطن المفقر، فبعد تراجع المنظومة الصحية العامة لدرجة الانهيار نتيجة السياسات الحكومية التقشفية من جهة، والتطفيشية من الجهة الأخرى، التي أنتجت قطاعاً متهالكاً عاجزاً عن تأدية دوره بسبب ضعف الإمكانيات وعدم توفر المستلزمات ونقص الكوادر الطبية والتمريضية، يأتينا البيان الحكومي بصياغته الإنشائية وتوصيفه المنقوص للواقع الراهن، دون مؤشرات محددة وأهداف قابلة للقياس، ودون خطة عمل ودون تحديد واضح للأولويات والضرورات!
فعلى الصعيد الصحي وعد البيان الحكومي بتعزيز الصحة العامة للسكان من خلال تحقيقِ العدالة في توزيع الخدمات الصحية وتوفير الدواء الآمن والفعال وتحسين المؤشرات الصحية، بالتوازي مع تعزيز منظومة شبكات الحماية الاجتماعية بمفرداتها الثلاث (العمل اللائق – شبكات الأمان الاجتماعي – الخدمات الاجتماعية).
لكن كيف وماهي الخطوات لا أحد يدري، فرغم الصياغة الإنشائية الجيدة أعلاه إلا أن البيان الحكومي لم يأتِ على ذكر أي جدول أعمال أو اقتراحات، ولا حتى أشار إلى بعض قرارات وتوجهات الحكومات السابقة المجحفة فألغاها، بل على العكس تماماً، ما زالت التوجهات الرسمية تجاه القطاع العام الصحي على حالها، بل هي ماضية إلى الأسوأ بنتائجها على المواطنين، وخير دليل على ذلك مشفى حلب الجامعي!
تسارع في الخصخصة!
أعلن المدير العام لمشفى حلب الجامعي بكري دبلوني الأسبوع الماضي أن مشفى حلب الجامعي بدأ بتحصيل أجور على بعض الخدمات الطبية، مع بقاء قسم الإسعاف مجانياً، موضحاً أن الاختيار بين القسم المجاني أو المأجور يرجع إلى المريض، بهدف رفد المشفى بالدعم المادي اللازم لتحسين خدماته وتطويره، مؤكداً أن القسم المأجور يوجد فيه خدمات إضافية مثله مثل أي مشفى خاص!
الواقع المختصر في مشفى حلب الجامعي على مستوى خصخصة الاستشفاء، والخيار المتروك للمواطن بهذا الشأن، يصلح للتعميم على المشافي العامة كافة، سواء كانت تتبع لوزارة الصحة أم لوزارة التعليم العالي، وهو النتيجة الطبيعية لتكريس تنصل الدولة من واجباتها ومسؤولياتها وفقاً للسياسات المتبعة، سواء على مستوى تخفيض الإنفاق العام أو على مستوى مسيرة الخصخصة التي بدأت تتسارع خطواتها أكثر فأكثر بكل صلف الظلم والجور للمفقرين في ظل تضاؤل خيارات الاستشفاء أمامهم في المشافي العامة، المجانية افتراضاً، والتي أصبحت مأجورة عملياً!
النزف المستمر للكادر الصحي!
المشكلة الإضافية التي لا تقل سوءاً هي بواقع النزف المستمر للكادر الطبي من المشافي العامة، ومشفى المجتهد بدمشق دليل على ذلك!
فبتصريح لرئيسة قسم التمريض في مستشفى المجتهد لموقع «أثر» بتاريخ 27/10/2024 : «أن هناك حاجة ماسة لفرز أكبر عدد من الممرضين للمشفى من قبل وزارة الصحة، حيث يوجد ضغط كبير في العمل، فكل ممرضة تعمل مكان 10 ممرضين نتيجة النقص بالكادر، في الوقت الذي من المفروض أن يكون لكل 3 مرضى ممرضة واحدة، حالياً لكل 30 مريض ممرضة، كذلك في قسم العناية المشددة، يجب أن يكون لكل مريض ممرض، بينما الممرض في عهدته 3 مرضى، وهذا يؤثر على نوعية الخدمة المقدمة للمرضى، إضافة إلى كونه يشكل أعباء كبيرة ومضاعفة للمهام الموكلة للممرضين».
ومن وجهة نظر الممرضين كما نقلها الموقع أعلاه: «عندما أصبحت مستشفى المجتهد هيئة مستقلة، بدأت الإدارة بتوزيع مكافآت شهرية للعاملين، واستمر الوضع إلى حين صدور قرار المكافآت الشهرية الخاصة بـ (طبيعة وخطورة العمل)، بما يخص فنيي وأطباء التخدير والعناية والطوارئ فقط، فبعد إقرار المكافآت الشهرية لبعض الأقسام، أصبحت شكلية للبعض الآخر، حيث باتوا يستلمونها كل 3 أشهر، ثم ازدادت الفترة الزمنية لتصبح كل 6 أشهر، وحالياً -وبحسب إفادة الممرضين- لم يستلموا المكافأة منذ العام الماضي بحجة إقرار الحوافز التشجيعية مجدداً والتي لم تبصر النور».
فحال مشفى المجتهد بحسب ما ورد أعلاه هو حال معظم المشافي العامة، فموضوع نقص الكوادر ونقص المواد والمستلزمات الطبية معضلة معممة!
وبهذا الصدد لعل من المفيد التذكير بمادة لقاسيون بعنوان «جيشنا الأبيض إلى زوال... التمريض قطاعٌ مُنهكٌ إضافي بمنهجيةٍ حكومية متعمدة!» المنشورة بتاريخ 18/8/2024، والتي تحدثنا فيها مطولاً عن أسباب النزف المستمر في هذا القطاع!
والخلاصة، وبغض النظر عن البيان الحكومي الإنشائي، فالسياسات الرسمية تجاه القطاع الصحي العام مستمرة على حالها، بل مع جرعات متزايدة ومتسارعة لمزيد من الخصخصة فيها، وطبعاً المتضرر من كل ذلك هم الغالبية المفقرة الذين لن يجدوا لهم مكان للعلاج والاستشفاء لاحقاً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1199