ملتقى لمناقشة الأمن الغذائي في سورية بغياب رسمي!
عُقد في جامعة دمشق بتاريخ 23/10/2024 ملتقىً تحت عنوان «الأمن الغذائي والتنمية المستدامة»، وأبرز ما خلص إليه المؤتمر من نتائج هو ارتفاع نسبة الأسر الفقيرة وغير الآمنة غذائياً من 30% في عام 2019 إلى 56% في عام 2020، وذلك بحسب ما كشفت عنه عميد كلية الهندسة الزراعية الدكتورة عفراء سلوم في محاضرتها خلال الملتقى!
ففي المحاضرة الافتتاحية لعميدة كلية الهندسة الزراعية خلال الملتقى قدمت تعريفاً للأمن الغذائي وأبعاده الأربعة (توفر الغذاء والحصول عليه والاستقرار والاستخدام)، وتطرقت د. سلوم إلى الأمن الغذائي في سورية وتعمق هذه الظاهرة خلال سنوات الحرب، وآثاره كارتفاع نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً، وانخفاض قيمة الإنتاج الزراعي، ونسبة المساحة المخصصة للزراعة المنتجة والمستدامة، مشيرة إلى المعيقات التي تواجه تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتمثل بالقضاء على الجوع، ومنها ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل حاد، خاصة الأسمدة والمحروقات، وضعف القدرة على استخدام التقنيات الحديثة ذات التكلفة المرتفعة، وهجرة الفلاحين من الريف بسبب تداعيات الحرب!
السفر عبر الزمن!
على الرغم من أن الملتقى عُقد قبل أيام، إلا أن أبرز النتائج التي خلص إليها تعود إلى بيانات منذ خمس سنوات، دون الوصول إلى بيانات السنوات اللاحقة وحتى الآن مع خلاصاتها واستنتاجاتها!
فمن أجل الوقوف على قضية شديدة الأهمية مثل الأمن الغذائي، وخاصة في بلد يعاني من أزمة خطِرة لها تداعياتها المباشرة والسلبية على قدرة السوريين على تأمين غذائهم اليومي، لا بد من دراسة ظاهرة انعدام الأمن الغذائي بما وصلت إليه الآن من أجل الوصول إلى حلول ناجعة تساهم في معالجة هذه المشكلة!
فإذا كانت نسبة الفقر ضمن عام 2020 تصل إلى 56% فكيف هو الحال بعد مرور أكثر من أربع سنوات، خاصة وأنه خلال هذه السنوات تضاعف انهيار القدرة الشرائية للسوريين، وواصلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعها الصاروخي، إضافة إلى استمرار تآكل الأجور باتجاه تصفير قيمتها الشرائية!؟
تشير التقديرات الدولية، وفقاً لتقرير البنك الدولي، إلى أن نسبة الفقر في سورية ضمن عام 2022 بلغت 69% تقريباً. إضافة إلى ذلك فإن التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية في بداية العام الجاري 2024 أشار إلى أن 12,9 مليون سوري على الأقل يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن 16,7 مليون شخص في سورية بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما كان العدد 15,3 مليون في 2023، و14,6 مليون في عام 2022. أي إن نسبة من يعانون من انعدام الأمن الغذائي تتزايد عاماً بعد آخر!
غياب الحضور الرسمي!
على الرغم من أهمية عنوان الملتقى، والطروحات التي عرضت فيه من خلال الأبحاث والمحاضرات المقدّمة، بما في ذلك بعض الأبحاث العلمية التي قدمها طلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا، التي ناقشت واقع الزراعة والأمن الغذائي، مع التوقف عند العناوين الأساسية المتمثلة بارتفاع نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وانخفاض نسبة المساحة المخصصة للزراعة المنتجة، وارتفاع تكاليف الإنتاج وهجرة الفلاحين من الريف، إلا أن معيار الأهمية لدى المسؤولين والمعنيين كان مختلفاً تماماً!
فبدلاً من الحضور الرسمي والمشاركة في عرض المشكلة وأسبابها، والتطرق إلى حلولها من وجهة النظر الرسمية، لم يتشرّف أي من الرسميين لحضور الملتقى الذي يناقش مسألة مهمة، تعتبر من أهم مسؤولياتهم وفي صلبها «افتراضاً»، وهي قدرة السوريين على الوصول إلى الغذاء!
وربما ذلك يعني إما أن مسؤولينا لا يبدون أي اهتمام لمثل هذه القضايا الهامة، وبالتالي عدم اعترافهم بوجودها، أو أنهم يتنصلون من كبرى مسؤولياتهم، وترك المجتمع المحلي ليعالج مشاكله بمفرده!
فالملتقى لم يحضره أحد من الرسميين، لا على المستوى الحكومي ولا على أي مستوى آخر، حتى رئيس جامعة دمشق التي احتضنت الملتقى كان متغيباً عنه!
ويبدو أن ذلك توضّح بحسب ما أشارت إليه مديرة مركز ضمان الجودة الدكتورة أميرة نور في كلمتها خلال الافتتاح على أهمية الملتقى في تعزيز فكرة الشراكة المجتمعية بين الجامعة ومؤسسات المجتمع المحلي في مختلف المجالات، من خلال تناولها لموضوع السلامة الغذائية وأهداف التنمية المستدامة والجهود التي تبذلها جامعة دمشق لتحقيق هذه الأهداف على مستوى سورية!
فهل فعلاً سيتم الاكتفاء بجهود جامعة دمشق والشراكة المجتمعية معها لتحقيق مثل هذه الأهداف الكبيرة، وهل هذه من ضمن مسؤولياتها وواجباتها أصلاً؟!
التغطية الإعلامية الرسمية للملتقى تجاهلت الأرقام والبيانات!
اللافت أيضاً أن التغطية الرسمية للملتقى، مثل وكالة الأنباء الرسمية سانا، أو التغطية الإعلامية لجامعة دمشق على موقعها الرسمي، تجاهلت ما لا يجب تجاهله، حيث تم تغييب الحديث عن البيانات والأرقام التي تم عرضها خلال الملتقى من خلال بعض المحاضرات والأبحاث، بما في ذلك ما عرضته عميدة كلية الهندسة الزراعية من بيانات بحسب ما ورد أعلاه، والتي تم تناقلها عبر وسائل الإعلام الخاصة فقط، وذلك كتتويج للتجاهل الرسمي التام للملتقى!
فالملتقى لم يتمكن بختام أعماله من التوصل إلى توصيات جدية وعميقة، برغم جدية الطروحات والمحاضرات والأبحاث المقدمة، وأهمية العنوان على المستوى الوطني!
السياسات الظالمة تبرر الغياب الرسمي!
الغياب الرسمي عن مثل هذ الملتقيات تبرره السياسات الظالمة المطبقة وليس أي شيء آخر!
فبكل بساطة يمكن الاستنتاج أن البدء بحل مشكلة انعدام الأمن الغذائي يعني بشكل مباشر إنهاء جملة السياسات المجحفة والظالمة المطبقة رسمياً منذ عقود وحتى الآن، وخاصة بما يخص السياسات الزراعية، بما في ذلك طبعاً إنهاء سياسات تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الدعم، بالإضافة إلى تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، مع التغيير المطلوب على مستوى السياسات التسعيرية المطبقة وآليات تسويق المنتجات والسلع الزراعية، وغيرها الكثير مما يجب إنهاؤه، وهو ما يتعارض مع السياسات الرسمية المتبعة، بما تمثله من مصالح القلة الثرية والنافذة كنتيجة، وبالضد من المصلحة الوطنية العامة، ومصلحة الغالبية المفقرة والجائعة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1199