المشتقات النفطية... نشرات سعرية متلاحقة والأزمة مستمرة!

المشتقات النفطية... نشرات سعرية متلاحقة والأزمة مستمرة!

تزايدت نشرات الأسعار التي تصدرها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بما يخص المشتقات النفطية (المازوت الحر- الفيول الحر- الغاز السائل الدوغما- البنزين أوكتان 95...)، إذ تجاوزت عشر نشرات منذ بداية العام!

النشرات السعرية المتلاحقة تبدو وكأنها انعكاس لمتغيرات سعر التكلفة، لكنها عملياً تعكس التوجه الرسمي بتكريس تحرير أسعار المشتقات النفطية على أنها الحل لأزمة توفيرها، إلا أن الواقع والوقائع تقول إن الأزمة مستمرة، وبوتيرة أقسى وأعمق قبل وبعد كل نشرة أسعار!

مستجدات النشرة السعرية الأخيرة!

أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 14/10/2024 نشرة جديدة لأسعار المشتقات النفطية حددت فيها سعر البنزين أوكتان 90 بـ 10,966 ليرة سورية لليتر الواحد- البنزين أوكتان 95 بـ 12,573 ليرة لليتر- المازوت الحر 11,183 ليرة لليتر- الكيروسين العادي بـ 10,956 ليرة لليتر.
وما يعنينا التوقف عنده في النشرة السعرية الجديدة هو:
الغاز المنزلي الحر الذي أصبح بـ 139,435 ليرة للأسطوانة، بدل 121,450 ليرة، أي بنسبة زيادة 15%!
الفيول الذي أصبح بـ 8,583,963 ليرة للطن بدل 7,752,633 ليرة للطن، أي بنسبة زيادة بلغت 11%!
الغاز السائل دوكما الذي أصبح بـ 13480109 ليرة، بدل 12,493,530 ليرة، أي بنسبة زيادة 8%!
فما هي تأثيرات الزيادات السعرية على المشتقات النفطية بالنسب الكبيرة أعلاه؟!

سلسلة نتائج كارثية لن تنتهي!

الزيادة السعرية أعلاه اعتبرها البعض بسيطة، لكنها خلقت سلسلة كاملة من النتائج السلبية والكارثية على مختلف القطاعات!
فسلبيات زيادة أسعار المشتقات النفطية كثيرة، ابتداءً من مشهد الازدحام والاكتظاظ المأساوي والمتكرر من أجل الحصول على مكان في وسائط المواصلات، وصولاً إلى تكاليفها التي تضاعفت دون وجود نشرة رسمية ومع غياب الرقابة، أضف إلى ذلك زيادة أجور نقل البضائع والمواد الغذائية والخضار والفواكه، والذي أدى إلى ارتفاع قياسي في أسعار تلك المواد في الأسواق المحلية، لينعكس ذلك سلباً على المواطن الذي وجد نفسه وسط عاصفة هوجاء تتراكم فيها الأزمات عليه لتزيد أعباءه وهمومه، التي زادتها مشكلة توفر الغاز المنزلي!
فالمشكلة لم تعد بالارتفاعات السعرية المتلاحقة على سعر أسطوانة الغاز (المدعوم وغير المدعوم) فقط، بل بعدم تقيد المعتمد بهذا السعر ونقص الوزن في الأسطوانة المسلمة للمواطن، إذ بات لكل معتمد غاز أسعاره ونسب الربح الخاصة به بالإضافة إلى حصته من كمية الغاز في كل أسطوانة نهباً وسطواً، في ظل غياب أي دور للرقابة والتموين، وتتفاقم المشكلة مع تباعد مواعيد وصول رسائل الاستلام التي باتت تزور البيوت 3 إلى 4 مرات سنوياً فقط!
كل هذا دفع بالمواطن نحو السوق السوداء، إذ لا بديل ولا خيار آخر أمامه، ومن الطبيعي ترافق زيادة الأزمات مع زيادة استغلال المفسدين والناهبين لحاجات الناس، لكن غير المقبول وغير الطبيعي هو غياب الدولة عن كل هذا!
فبكل أريحية يعلن مصدر في تموين دمشق، نقلاً عن صحيفة الوطن بتاريخ 16/10/2024، أن دورهم ينحصر في متابعة الشكاوى التي ترد حول تقاضي معتمدي الغاز سعراً زائداً عن الرسمي، حيث يتم في هذه الحالة تنظيم الضبط اللازم بحق المخالفين وتحويلهم إلى القضاء المختص. وعن وجود أسطوانات غاز، سواء أكانت منزلية أم صناعية مهربة، وملاحقة القائمين على بيعها، بيّن المصدر أن ذلك من مهام مديرية الجمارك، مضيفاً أن دوريات التموين تقوم بمصادرتها في حال مشاهدتها بالأسواق على اعتبار أنها مادة مجهولة، ويتم أخذ الإجراءات اللازمة!
فالزيادة الرسمية على سعر أسطوانة الغاز الحر كانت دائماً مهمازاً لحيتان السوق السوداء لرفع أسعار أسطوانات الغاز، التي تجاوزت نصف المليون ليرة بوضعها الحالي الآن، ولنا أن نتخيل إلى أي حد سيصل سعرها بعد القرار الأخير!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسطوانات الغاز المنزلي متواجدة بشكل دائم وبالكمية المطلوبة في السوق السوداء، لكن بسعر استغلالي خيالي، حالها كغيرها من المشتقات النفطية المتوفرة في هذه السوق!
فأزمة المحروقات بتداعياتها المستمرة والمتفاقمة أصبحت مستنزفة للمواطن على الأصعدة كافة، في ظل الواقع المعيشي الصعب والضاغط سلفاً!

طعنة جديدة في ظهر الصناعة الوطنية!

من المعروف أن الكثير من المنشآت الصناعية تعتمد على الفيول والغاز في إنتاجها، مثل منشآت صناعة الإسمنت والزجاج والأسمدة والكرتون والسيراميك والقرميد والورق الصحي والمنظفات والحديد و...، بالإضافة إلى بعض الصناعات النسيجية والغذائية!
على ذلك فإن زيادة سعر الفيول وفق النسبة الكبيرة أعلاه (11%)، أو غيره من المشتقات النفطية، سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج بنسب مقاربة أولاً، والذي بدوره سينعكس زيادة على أسعار العديد من السلع بما يتناسب مع التكلفة الجديدة، والذي بدوره سينعكس ضرراً على المستهلك المحلي، الذي سيتكبد فروقات الزيادات السعرية الجديدة من جيبه!
ومع استمرار الوضع على هذا المنوال، ومع انخفاض القدرة الشرائية للمواطن المفقر، سيتراجع الطلب شيئاً فشئياً، وستفقد الصناعات أسواقها الداخلية، بالإضافة إلى أسواق التصدير بسبب ضعف تنافسيتها بالأسعار!
كل ما سبق سيؤدي إلى تسجيل المزيد من التراجع في العملية الإنتاجية، بما في ذلك احتمال توقف بعض المنشآت وخروجها عن العمل، أي المزيد من البطالة والتضخم والتراجع الاقتصادي والمزيد من الجوع والإفقار!
ليس هذا فقط فبعض محطات توليد الطاقة الكهربائية تعمل على الفيول والغاز، وبالتالي فإن زيادة سعر هذه المشتقات بالنسب أعلاه يعني زيادة في تكاليف إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، وسيكون فرصة لن تفوتها الجهات المعنية من كل بد، بل ستستغلها كمبرر لزيادة أسعار الطاقة الكهربائية!
فمروحة النتائج الكارثية لزيادة أسعار المشتقات النفطية كبيرة وواسعة، بحيث تبدأ ولا تنتهي، ومع كل متغير بهذه الأسعار تتفاقم الكوارث وتتعمق أكثر فأكثر، بحيث باتت كل التعابير عاجزة عن توصيف السياسات الحكومية الجائرة والقرارات الرسمية الظالمة، ومع ذلك ما زلنا نسمع تصريحات رسمية تتحدث عن الدعم والسعي إلى الحفاظ على الصناعة وتشجيعها!
فهل تعي الحكومة أن سياساتها وإجراءاتها وقراراتها، وخاصة ما يتعلق بحوامل الطاقة، ماهي إلا اغتيال وإنهاء للصناعة والإنتاج والتجارة والاقتصاد الوطني؟!
وهل تعي أنها باستمرارها بهذا النهج تستكمل حرق المواطن المفقر بعد أن كوته، وتضحي باحتياجاته وبأمنه الغذائي؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197