حملة الإعدام لشركات القطاع العام الإنتاجي مستمرة!
وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 8/10/2024 على مشروع الصك التشريعي الخاص بإحداث الشركة العامة للصناعات الهندسية والكيميائية عن طريق دمج مؤسستي الصناعات الهندسية والكيميائية، بما يهدف إلى زيادة الكفاءة والتوسع في المنتجات المصنعة وتوفير حاجة السوق المحلية وإمكانية زيادة حصة الصادرات من منتجاتها.
وبحسب صفحة الحكومة شهدت الجلسة نقاشاً واسعاً تراوح بين التمسك التقليدي بدور القطاع العام من جهة وضرورة خروج هذا القطاع من مثل هذه الصناعات من جهة أخرى.
النقاش المعلن عنه أعلاه تجاوز موضوع الدمج الخاص بالمؤسستين المعنيتين، إلى تعميم الحديث وصولاً إلى وضع مصير القطاع العام على مشرحة الحكومة في الفترة القادمة لاستكمال تقويضه وصولاً إلى تصفيته على ما يبدو!
والواضح أن رئيس الحكومة حسم الأمر بإشارته إلى «ضرورة الابتعاد عن «المحرّمات» في طرح الأفكار والرؤى الحكومية، مشدداً على ضرورة الجرأة الموضوعية في التعاطي مع الطروحات كافة، أياً كانت سواء لجهة مقاربة الخروج من بعض القطاعات الصناعية وتعزيز حضور القطاع الخاص فيها في حال أظهرت دراسات الجدوى الاقتصادية وجود مصلحة وطنية عليا من خروج القطاع العام منها.
سياسة مستمرة وتساؤلات بلا إجابة!
ما سبق أعلاه عن غايات الدمج، وعن النقاش حوله من قبل أعضاء الحكومة، هو شكل إخراجي لتسويق قرار الدمج بعبارات ومفردات إنشائية ليس إلا!
فكما جرت العادة في مثل هذه القرارات لا يتم الإعلان عن أي بيانات أو أرقام أو دراسات تبرر عمليات الدمج وفوائدها المنشودة، وكذلك لا تتعب الحكومة نفسها لاحقاً بتبيان نتائج عمليات الدمج من خلال بعض الأرقام والبيانات!
فدمج المؤسسات والشركات العامة آلية تنفيذية قائمة ومستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، وتحديداً منذ تبني الحكومة للسياسات الليبرالية تحت مسمى (اقتصاد السوق الاجتماعي)، وبالتالي هي جزء من هذه السياسات الموجهة لمؤسسات وشركات القطاع العام بغاية تعزيز التوجه الليبرالي وتعميقه عملياً، بغض النظر عن كل ما يساق من مبررات وذرائع غير ذلك!
وهناك الكثير من الأمثلة التنفيذية للدمج، القديمة والحديثة، كشركات الإنشاءات العامة، والسورية للحبوب والسورية للمخابز والسورية للتجارة والسورية للاتصالات.
وهنا نعيد التساؤلات المشروعة التالية:
هل حققت عمليات الدمج التي طبقت نتائج ملموسة على مستوى الترشيق الإداري والوفر المالي في المؤسسات الوليدة؟
وما هي الإيجابيات الملموسة بعد عمليات الدمج، سواء على مستوى نتائج أعمال المؤسسات المدمجة، أو على مستوى حقوق العاملين في هذه المؤسسات، والأهم على مستوى مصلحة المواطن المفقر بنوعية المنتجات والسلع وتنوعها ومواصفاتها وأسعارها؟
فالأكثر ملموسية من عمليات الدمج هو تراجع حضور هذه المؤسسات والشركات، وتقليص دورها وقضمه تباعاً، ليس بالنسبة للمواطن فقط، بل على مستوى الاقتصاد الوطني ككل!
24 شركة ومعملاً مستهدفاً من عملية الدمج!
الحديث الرسمي عن دمج مؤسستين فقط (الهندسية والكيميائية) فيه الكثير من التبسيط والتضليل، فكل من هذه المؤسسات تتبع لها الكثير من الشركات والمعامل، وهذه الشركات والمعامل هي جزء من القطاع الإنتاجي العام التي يعمل بها آلاف العمال، وتنتج الكثير من السلع والمنتجات لتغطية الاحتياجات المحلية وللتصدير!
وبالتفاصيل فإن المؤسسة العامة للصناعات الهندسية أحدثت عام 1974، ويتبع لها 11 شركة ومعملاً تشرف عليها، وهي: شركة الإنشاءات المعدنية والصناعات الميكانيكية- الشركة العامة للصناعات المعدنية «بردى»- الشركة العامة لصناعة الكابلات بدمشق- شركة حلب لصناعة الكابلات- الشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية «سيرونيكس»- الشركة العامة للكبريت والخشب المضغوط وأقلام الرصاص- الشركة العامة للصناعات التحويلية «كنار»- شركة حديد حماة- شركة بطاريات حلب- شركة تصنيع وتوزيع الآليات الزراعية في حلب.
أما بالنسبة للمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية فقد أحدثت عام 1975، وهي تشرف على 13 شركة موزعة في المحافظات، وهي: الشركة العامة للأسمدة- الشركة الطبية العربية «تاميكو»- الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية- الشركة العامة لصناعة الزجاج- الشركة العامة لصناعة الإطارات- الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية- الشركة العامة لصناعة المنظفات الكيميائية «سار»- الشركة العامة للدباغة- الشركة العربية للمنتجات المطاطية والبلاستيكية والجلدية- الشركة العامة للدهانات والصناعات الكيميائية- الشركة العامة للمنتجات البلاستيكية- الشركة العامة لصناعة الأحذية- الشركة العامة لصناعة الورق.
فالمُغيب عملياً، تبسيطاً وتضليلاً، أن الحديث يدور عن 24 شركة ومعملاً منتشرة في غالبية محافظات القطر ستتأثر بعملية الدمج المقرة ولكلٍ منها مهامه وأعماله المنفصلة والمختلفة عن الأخرى، كذلك لكل منها مدخلاتها ومخرجاتها وسلاسل التوريد الخاصة بها، وهو ما يتعارض من فكرة الدمج أصلاً التي يتم اللجوء أحياناً في القطاعات المتشابهة بمدخلاتها ومخرجاتها وسلاسل توريدها وتسويق منتجاتها!
بعض المعطيات الرقمية!
بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء فقد حققت المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، عبر شركاتها ومعاملها، فائضاً بمبلغ وقدره 2,4 مليار ليرة وذلك في عام 2019، أما المؤسسة العامة للصناعات الهندسية فقد حققت، عبر شركاتها ومعاملها، فائض بمبلغ وقدره 9,6 مليارات ليرة في نفس العام.
ومن صفحة الحكومة بتاريخ 2/1/2024 أنه في عام 2023 حققت المؤسسة العامة للصناعات الهندسية أرباحاً بعد الضريبة بمبلغ 65 مليار ليرة، وقد كان مجموع قيمة الإنتاج في الشركات والمعامل التابعة مبلغ 462 مليار ليرة، على ذلك فقد حققت المؤسسة نسبة أرباح صافية 14% تقريباً! أما المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية فقد حققت أرباحاً في عام 2023 بعد الضريبة بمبلغ 15 مليار ليرة، وقد كان مجموع قيمة الإنتاج في الشركات والمعامل التابعة مبلغ 102 مليار ليرة، على ذلك فقد حققت المؤسسة نسبة أرباح صافية 15% تقريباً! على الرغم من أن بعض شركات ومعامل المؤسستين متوقفة أو خارج الخدمة نسبياً مع عدم إغفال كل عوامل زيادة التكلفة بما في ذلك هوامش النهب والفساد!
فهل سيحقق قرار الدمج الغايات المعلن عنها كتبرير بحسب ما ورد أعلاه، أم سيؤدي من حيث النتيجة إلى ذريعة إضافية لاستكمال حملة الإعدام بحق بعض شركات القطاع العام الإنتاجي الرابحة!
الحقيقة الواضحة مزيد من التفريط!
الحقيقة الوحيدة الواضحة من جملة السياسات الرسمية المتبعة خلال العقود الماضية، والمستمرة حتى تاريخه بنموذجها الليبرالي المشوه والمتوحش، هي تقويض كل ما هو منتج في البلاد، سواء كان عاماً أو خاصاً، صناعياً أو زراعياً، والواضح أكثر أن القطاع العام الإنتاجي هو المستهدف الرئيسي، والأرقام والمؤشرات السنوية شاهد على ذلك، وهي وحدها كفيلة بتعرية السياسات المتبعة حياله، ومع ذلك هناك المزيد من الإصرار الرسمي عليها، وصولاً إلى التصريح العلني بتجاوز المحرمات، مع العلم أن الحكومات المتعاقبة كانت قد داست الكثير من المحرمات خلال العقود الماضية، ولا ندري بعد التصريح المستجد أعلاه كيف ستكون عليه نتائج تجاوز المحرمات العلنية!
فجملة السياسات الرسمية المتبعة والمترافقة مع منهجية تفريطية واضحة تجاه جهات القطاع العام، هي سياسات محابية لمصالح القلة المحظية من المستثمرين وكبار أصحاب الأرباح، الذين من مصلحتهم تقويض وإنهاء كل ما هو منتج في البلاد، سواء كان عاماً أو خاصاً، ليتناسب مع مصالحها وأطماعها في السيطرة على مقدرات الاقتصاد الوطني، وتحقيق أرباح طائلة دون الاكتراث بحال البلاد والعباد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197