أسعار الأسمدة تستمر بالارتفاع رسمياً والزراعة نحو الهاوية!

أسعار الأسمدة تستمر بالارتفاع رسمياً والزراعة نحو الهاوية!

يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية الهامة التي تسجل المزيد من الترهل والتراجع عاماً تلو آخر، نتيجة السياسات الحكومية بمنهجها الليبرالي المشوه!

واليوم وبعد الانهيار والتراجع، وفي الوقت الذي يحتاج فيه القطاع الزراعي عامةً والفلاح خاصةً إلى الدعم، تأتي القرارات الحكومية لتجهز على ما تبقى من هذا القطاع، راميةً بكل المناشدات المحقة ونداءات الاستغاثة عرض الحائط!

تمهيد ثم إقرار... مسرحية حكومية ممجوجة وسخيفة!

نشرت صحيفة «الوطن» بتاريخ 16/10/2024، نقلاً عن مصدر رسمي في القطاع الزراعي، عن نقاش يدور لرفع سعر الأسمدة، وخاصة سماد اليوريا، مع التأكيد أن معدل الزيادة سيكون طفيفاً بحدود 5%!
بينما أوضح مصدر في الاتحاد العام للفلاحين للصحيفة ذاتها أنه لا علم لديهم حتى الآن بذلك، وسيتم التواصل للتأكد من الموضوع، وأنه من حيث المبدأ لا مبرر لأي زيادة على أسعار الأسمدة، وخاصة أن أسعار الصرف شبه مستقرة منذ أشهر، وأي زيادة ستكون مؤثرة سلباً على الفلاح وقدرته على تأمين مستلزمات الإنتاج ومنها الأسمدة، وبالتالي على رغبته في الزراعة!
وطبعاً لم تكذب الحكومة خبراً، فبعد وقت قصير انتشرت صورة لقرار المصرف الزراعي التعاوني الذي حدد التسعيرة الجديدة للأسمدة، موقعاً بتاريخ 13/10/2024!
أول ما يتبادر إلى الذهن هو سخافة المسرحية المكررة التي باتت تعتمدها الجهات الرسمية قبل أو بعد كل زيادة أسعار، وبهذا الصدد كانت المسرحية أكثر سخافة، فالتواريخ أعلاه تبين أن صدور القرار كان قبل تصريح المصدر الرسمي لصحيفة الوطن، لكن الإعلان عنه أتى بعد التصريح، والأسوأ من ذلك هو تثبيت جهالة المصدر في الاتحاد العام للفلاحين بحسب مضمون التصريح أعلاه!

الكارثة بالأرقام!

نعود إلى الأهم في مضمون القرار، الذي حدد الأسعار الجديدة لمبيع الأسمدة على النحو التالي:
اليوريا 9,200,000 ليرة للطن بدل 8,900,000 ليرة، أي بنسبة زيادة تجاوزت 3%- سماد سوبر فوسفات (مخزون محلي) 6,900,000 ليرة للطن بدل 6,000,000 ليرة، أي بنسبة زيادة بلغت 15%- سماد سوبر فوسفات (إنتاج الشركة الروسية المستثمرة) 11,300,000 ليرة للطن- وسماد الكالنترو 26% 6,200,000 للطن!
الزيادة من الناحية العملية تجاوزت نسبة 5% التي تحدث عنها المصدر أعلاه، لتصل الى 15% لبعض الأنواع!
لكن بالنظر لأسعار الأسمدة منذ بداية عام 2023 وصولاً لنهاية عامنا الحالي، أي خلال عامين، نلاحظ الكارثة!
فقد ارتفعت أسعار اليوريا من 3,000,000 ليرة للطن إلى 9,200,000 ليرة، أي بواقع زيادة تجاوز 200%!
كذلك أسعار السوبر فوسفات التي ارتفعت من 2,050,000 ليرة للطن إلى 6,900,000 ليرة، أي بنسبة زيادة بلغت 237%! بعد العرض الكارثي أعلاه نتساءل هل لا تزال الأسمدة مدعومة كما تدّعي الحكومة؟
الواضح أن الإجابة لا... خاصة بعد الزيادات المتتالية التي لحقت بهذا المنتج الهام للزراعة، والتي تجاوزت 650% منذ عام 2011 حتى الآن، بما يثبت مسيرة خطا الحكومة في تحرير أسعار الأسمدة، بصرف النظر عن تداعيات ذلك السلبية، ليس على الإنتاج الزراعي والفلاح فقط، بل وعلى القطاعات الأخرى كافة، وخاصة على قطاع الصناعات الغذائية، والمستهلكين!
فارتفاع تكلفة السماد بشكل متواتر، كل عام وبنسب كبيرة، والمترافق مع إنهاء الدعم عنه وتحرير أسعاره، بالإضافة إلى محدودية كمية المخصصات الموزعة عبر المصرف الزراعي والتأخر بتسليمها، دفع بالفلاحين ليكونوا عرضة للاستغلال والتحكم من قبل تجار السوق، بالأسعار والكميات والنوع والمواصفة!

مؤشرات سعرية تفضح نسب الفساد النهبوية!

الصادم فيما يتعلق بسعر الأسمدة في سورية هو كونه أعلى من السعر العالمي ومن الأسعار في الإقليم، حتى قبل الزيادة الأخيرة، حيث أصبح سعر الأسمدة اليوم أعلى بنسب هامة وبمعدلات ربح كبيرة تسلط الضوء على نسب نهبوية كبيرة تقدر بحدود 130%!
فحسب مقارنة بسيطة لنوع اليوريا على سبيل المثال نجد أن أسعاره عالمياً بتاريخ 20/11/2013 سجلت ما يعادل 4,455,224 ليرة للطن الواحد، بينما سجلت أسعاره محلياً بنفس التاريخ 8,000,000 ليرة للطن، أي بنسبة زيادة 100% تقريباً!
وبمتابعة القراءة للبيانات السعرية نلاحظ انخفاض أسعار سماد اليوريا عالمياً في شهر نيسان من عام 2024 لما يعادل 4,019,840 ليرة للطن الواحد، واستقراره عند هذا السعر، في حين كانت النشرة الأخيرة لسعره محلياً 9,200,000 ليرة للطن، أي بنسبة زيادة تقارب 130% عن السعر العالمي، وكذلك الأمر بالنسبة للأنواع الأخرى من الأسمدة!
ولعله من الصعب تقديم ذرائع تفسّر كيف يصبح سعر السماد محلياً، ومن المصرف الزراعي التعاوني كجهة رسمية، أعلى من السعر العالمي بنسب استثنائية وكبيرة كما سبق أعلاه!
لكن بالمقابل ومما لا شك فيه أن هذه الأرباح الطائلة تجد طريقها اليسير والمعبد لجيوب كبار الناهبين والفاسدين، وبتغطية رسمية طبعاً، فجزء هام من الأسمدة التي تباع من قبل المصرف الزراعي التعاوني هي مستوردات من قبل القطاع الخاص!

زبدة القول

مما لاشك فيه أن لهذه الزيادة غير المنطقية وغير المبررة على أسعار الأسمدة نتائج كارثية عديدة، ليس فقط على القطاع الزراعي المتدهور أصلاً وإنما على العديد من القطاعات الصناعية، وهنا نحن أمام مروحة واسعة من المنتجات، مثل: الغزل والنسيج والأقمشة والألبسة، وغيرها الكثير من المنتجات التي تغطي الاحتياجات المحلية، وتصدر الفائض منها على اعتبار أن المحاصيل الزراعية تعتبر مادة أولية للعديد منها، ابتداءً من الصناعات الغذائية، وهي أيضاً مروحة واسعة من المنتجات، مثل: السكر والخميرة البرغل والفريكة والدقيق والنشاء والبسكويت والمعكرونة والشعيرية وزيت الزيتون والعصائر، وكلها مرتبط بالأمن الغذائي للمواطن المفقر، وليس انتهاءً بانعكاساتها على الثروة الحيوانية!
ليس هذا وحسب، بل إن القطاع الزراعي يعد مصدر قوت لأكثر من نصف الشعب السوري العاملين في هذا القطاع، فلنا أن نتخيل مدى تأثير مثل هكذا قرارات على الأسر المفقرة التي ستضطر للعزوف عن العمل بالزراعة والبحث عن مصدر رزق آخر أكثر جدوى بعد خساراتها المتلاحقة، والذي سينعكس على زيادة معدلات البطالة والفقر من جهة، وعلى أسعار المنتجات الزراعية من جهة أخرى، والأخطر انعكاساته على اقتصادنا الوطني وأمننا الغذائي!
وكما هو واضح من السياسات الحكومية فالبديل متاح دائماً وأبداً ومتمثل بالاستيراد، أي مزيد من المكاسب في جيوب بعض المحظيين من كبار الحيتان والناهبين وداعميهم، وكل ذلك سيؤدي إلى استكمال التضحية بالاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197