تحييد العملية التعليمية عن التجاذبات السياسية مهمة وطنية ملحّة!
ظهرت إلى السطح مجدداً مشكلة المناهج التي يتم فرضها من قبل الإدارة الذاتية على المدارس في المناطق التي تسيطر عليها، وهذه المرة تفاقمت المشكلة في مدينة منبج شرق حلب، وصولاً إلى المظاهرات والإضرابات، اعتراضاً على المناهج التعليمية التي فرضتها هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية مطلع العام الدراسي الحالي!
فقد فرضت الإدارة الذاتية مناهجها التعليمية في مدارس مدينة منبج كجزء من سياستها بذريعة تعزيز الهوية اللغوية والثقافية، وغيرها من المبررات والذرائع الأخرى، متناسية التداعيات السلبية لذلك على المجتمع وعلى الطلاب ومستقبلهم، وخاصة طلاب شهادات التعليم الأساسي والثانوي!
وقد اتسعت موجة الاستياء والرفض الشعبي من فرض المناهج لتصل إلى مناطق أخرى تحت سيطرة الإدارة الذاتية، مثل شرق دير الزور والرقة والطبقة!
الهروب إلى الأمام!
بعد الضغط الشعبي، واستمرار المظاهرات والإضرابات لعدة أسابيع، ورفض الأهالي إرسال أبنائهم إلى المدارس، واللقاءات والاجتماعات التي عقدتها الإدارة الذاتية مع المجتمع المحلي في مدينة منبج، أصدرت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية كتاباً موجهاً إلى الأهالي في منبج يتضمن ما يلي: الاستمرار بالعملية التعليمية وفق المنهاج السابق- إضافة بعض المواد عليه- تدريس منهاج الإدارة الذاتية في بعض المدارس- استمرار التحضير لتطبيق منهاج الإدارة الذاتية في العام الدراسي القادم!
الكتاب أعلاه بحسب بعض الأهالي يتضمن تراجعاً مؤقتاً عن تطبيق المنهاج في العام الحالي، ولا يتفق مع الوعود التي قطعت لهم بالاستمرار بالمناهج القديمة، فهو يتضمن إصراراً على استكمال العملية في العام القادم، وهو على ذلك هروب مؤقت إلى الأمام لتخفيف حال الغضب والاحتقان لدى الأهالي في الوقت الحالي ليس إلا!
وبحسب الأهالي المشكلة لا تقتصر على المناهج التي يتم فرضها، والتي سيق عليها الكثير من الملاحظات على مستوى مضامينها، بل الأهم على المخرجات المأمولة منها بالنسبة للطلاب، وخاصة طلاب الشهادات (الأساسي والثانوي)، وتأثير ذلك على القبول في مرحلة التعليم الجامعي بالنسبة لهؤلاء!
فإدارة هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية ما زالت تسعى إلى فرض نموذجها الخاص بالمناهج التعليمية غير عابئة بمستقبل الطلاب التعليمي، وخاصة على مستوى إمكانية استكمال تعلمهم في المرحلة الجامعية!
ضريبة على حساب مستقبل الطلاب وخاصة المفقرين!
المشكلة الأهم بالنسبة للأهالي، بعيداً عن الكثير من الملاحظات على مضامين المناهج، تتعلق بمستقبل أبنائهم على مستوى استكمال تعليمهم في المرحلة الجامعية!
فالمناهج التي تفرضها الإدارة الذاتية، وصولاً إلى شهادة التعليم الثانوي، غير معترف بها من قبل الجامعات السورية والدولية على السواء، الأمر الذي يحدّ من إمكانية وفرص استكمال العملية التعليمية بالنسبة للطلاب في المرحلة الجامعية!
كذلك فإن المناهج المعتمدة من قبل الإدارة الذاتية تضعف التنافسية في سوق العمل أيضاً، فالمناهج المفروضة تفتقد المعايير الأكاديمية والعلمية، المحلية والدولية، بما في ذلك الاعتراف من قبل المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن!
فإذا كان البعض قادراً على تعليم أبنائه في المدارس والمعاهد الخاصة، أو من خلال الدروس الخصوصية، أو لنقل أبنائه إلى خارج مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، داخلاً أو خارجاً، فإن الغالبية المفقرة تعجز عن ذلك، ما يعني أن المشكلة ستتفاقم على مستوى الفرز الطبقي في العملية التعليمية بين من يملك ومن لا يملك!
على ذلك فإن من يدفع الضريبة الأكبر بما يخص المناهج والصراع حولها هم أبناء المفقرين فقط ولا أحد سواهم!
الاستغلال والاستثمار السياسي!
المشكلة مع تداعياتها ونتائجها حتى الآن لم تكن غائبة عن حيز الاستغلال والاستثمار السياسي، بل والأمني أيضاً، من قبل بعض القوى التي لها مصلحة بتأجيج الأوضاع في مدينة منبج، وغيرها من المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية، وصولاً إلى تفجيرها إن أمكن ذلك، خاصة مع استمرار حال التوتر والاحتقان الاجتماعي، مع ما يتبع ذلك من احتمالات مفتوحة للأسوأ على المستويات كافة، وخاصة على مستوى عوامل الأمن والأمان، الهشة أصلاً!
فما زال الإضراب مستمراً نسبياً، فالأهالي في مدينة منبج يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، وهذه المرة ليس بسبب مضمون الكتاب أعلاه فقط، بل بسبب تداعيات المظاهرات والإضرابات التي نجم عنها توقيف بعض أبناء المدينة من قبل الإدارة الذاتية، حيث يربط الأهالي عودة أبنائهم إلى المدارس مع الإفراج عمن تم توقيفه من أبناء المدينة إثر المظاهرات!
ومع استمرار الوضع على هذه الحال من التوتر والاحتقان الأهلي مقابل التعنّت من قبل الإدارة الذاتية، فإن عوامل الاستغلال لتأجيج الأوضاع في المدينة، وفي بقية المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، ستبقى مستمرة، مع أفق مفتوح لمزيد من التوتير فيها وبعمقها!
تحييد العملية التعليمية عن التجاذبات!
كل ما سبق يفسح المجال لإعادة الحديث عن ضرورة تحييد العملية التعليمية عن التجاذبات والانقسامات السياسية، وبعيداً عن فرص استغلالها لتعزيز الانقسام بما يحقق مصالح القوى المتصارعة!
فمصلحة الطلاب ومستقبلهم التعليمي يجب أن تبقى لها الأولوية، باعتبار التعليم حقاً أساسياً يجب أن يكون مصوناً ومحمياً، ويجب أن يكون محط توافق لا خلاف افتراضاً، وهي على ذلك تعتبر مهمة وطنية ملحة يجب التوافق عليها من قبل جميع القوى الوطنية.
والأمر بهذا الشأن لا يقتصر على ما تفرضه الإدارة الذاتية من مناهج، سواء باللغة الكردية أو العربية، في المناطق التي تسيطر عليها، بل وفي بقية المناطق الخاضعة لسيطرة بقية القوى بحكم الأمر الواقع!
فالواقع الحالي يقول إن هناك خمسة مناهج تعليمية مختلفة على الجغرافيا السورية بكل أسف!
الأول هو المنهاج الرسمي المعتمد من قبل وزارة التربية في مناطق سيطرة الدولة، وهو منهاج معتمد من قبل المنظمات الدولية ومعترف به من قبل الجامعات الدولية.
الثاني والثالث هي المناهج المعتمدة من قبل الإدارة الذاتية، أحدها باللغة الكردية، والثاني باللغة العربية، وهي مناهج لم يتم الاعتراف بها، وخاصة شهادة التعليم الثانوي!
الرابع والخامس هو المنهاج الذي فرضته ما تسمى «الحكومة السورية المؤقتة» في المناطق التي تسيطر عليها، وهو أيضاً منهاج غير معترف به بالنسبة لشهادة التعليم الثانوي، بالإضافة إلى المنهاج باللغة التركية في بعض مدارس في مناطق السيطرة هذه، والتي تعترف بها الجامعات التركية!
ولكم أن تتخيلوا حجم الكارثة التي تتراكم سلبياتها بنتيجة تعددية المناهج بهذا الشكل، والتي لا تقف عند حدود إمكانية استكمال العملية التعليمية من عدمها بالنسبة للطلاب، بل تتعداها إلى ما هو أكبر وأعمق من ذلك بكثير، وصولاً إلى تكريس تقسيم الأمر الواقع على الجغرافيا السورية!
وربما من البديهي، بعد كل ما سبق وكاختصار له، إعادة التأكيد على الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254، وصولاً إلى التغيير الجذري والعميق والشامل، كضرورة وطنية لاستعادة وحدة البلاد ولضمان مصير ومستقبل العباد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197