مسلسل ارتفاع الأسعار لغزٌ لا حل له!
في كل مرة، وخلال كل رصد للأسعار والأسواق، تمرّ في أذهاننا التساؤلات التالية:
ماذا تبقّى للمواطن المفقر ليُسكت به جوعه وليطعم به أطفاله؟
وكيف من الممكن إشباع البطون الجائعة في ظل هذا النمط من التوحش السعري والإجحاف الأجري الذي تجاوز كل الحدود، وبرعاية رسمية؟
هذه المرة لن نتحدث عن ارتفاع الأسعار فقط، بل عن جنونها، خاصةً السلع الاستهلاكية اليومية من خضار وفواكه وغيرها!
ماراثون الأسعار ومعاناة المواطن!
من المفروغ منه أنه مع كل ارتفاع في الأسعار ترتفع معاناة المواطن المفقر، في حين تمضي الحكومة، بسياساتها الاقتصادية وقراراتها غير المدروسة، غير مكترثة بنتائجها!
فالسياسات الاقتصادية الظالمة، وغياب الرقابة التموينية، زاد الأعباء على كاهل المواطن الذي بات عاجزاً عن تأمين احتياجاته الأساسية، وفتح الباب أمام التجار والناهبين لامتصاص دم الناس أكثر وأكثر دون رقيب ولا حسيب!
وقد زاد الطين بلة توقع زيادة معدلات الاستهلاك إثر موجات النزوح من لبنان، التي كانت ذريعة وسبباً مباشراً في زيادة معدلات الاستغلال من قبل حيتان السوق الكبار والمتحكمين فيه، بالرغم من الحديث عن زيادة المعروض من السلع، وبأن السوق لن يتأثر بزيادة معدلات الطلب!
جلنا في أحد أسواق دمشق الشعبية راصدين أسعار بعض المواد الأساسية، وهنا كانت الصدمة فصديقة الفقير- البطاطا- بلغت 12-15 ألف ليرة، في حين سجل البصل 8 آلاف، والفاصولياء وصلت إلى حدود 27 ألف، والثوم تجاوز حدود 100 ألف للكيلو، في حين سجلت الكوسا والباذنجان أسعاراً شبه رحمانية، إلا أنها أعلى من المعدل الطبيعي في هذا الوقت من السنة، فقد تراوح سعر الكيلو بين 6 إلى 7 آلاف، في حين بلغ سعر كيلو الخيار 12 ألف ليرة، والبندورة 7 آلاف ليرة!
لم تسلم الحشائش من جنون الأسعار، فقد تجاوزت الخسة 6 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر الباقة الخضراء على اختلاف نوعها (بقدونس، بقلة، جرجير، نعنع، كزبرة) 1500 ليرة!
كذلك الفواكه التي تراوحت بين 15 ألف إلى 35 ألف حسب النوع والجودة!
لم يقتصر جنون الأسعار على الخضار والفواكه، بل كذلك البقوليات التي زادت أسعارها بين 2 إلى 5 آلاف خلال أسبوع واحد فقط، وكذلك بلغ سعر كيلو السكر 13 ألف، أما الزيت النباتي فتجاوز حدود 30 ألف، بزيادة قدرها 7 آلاف ليرة دفعة واحدة لكل ليتر!
نسبة الزيادة الوسطية على الأسعار تراوحت بين 15-30% خلال فترة لا تتجاوز عشرة أيام بذريعة موجات النزوح، وهذه الأسعار تختلف من محل إلى آخر ضمن السوق نفسه، فما بالك من محافظة لأخرى وبين المدينة والريف، دون وجود معايير واضحة، فكلٌ يغنّي على ليلاه!
هذه الحالة من الانفلات السعري والفوضى غير المبررة انعكست على المواطن المعدم وزادت أعباءه، وكل هذا وسط غياب متعمد لأي جهة رقابية أو تموينية، مما فتح الباب على مصراعيه أمام استغلال التجار، وخاصة مع تفاقم بعض الأزمات التي تعد فرصة ذهبية للفاسدين، في ظل الفراغ الرقابي والحكومة الداعمة، لتحقيق المزيد من الأرباح غير المشروعة عبر احتكار السلع وزيادة أسعارها!
لماذا خرج الفروج من السباق؟!
استوقفنا السوق بتدني أسعار الفروج فيه، وتعليقات المواطنين التي تُشكك في جودة الدجاج المذبوح ونوعيته، خاصة بعد أن سجل سعر كيلو الفروج 25 ألف، أما الشرحات فقد تراوحت بين 50 إلى 55 ألف والكستا سجلت 36 ألف!
وهنا نتساءل عن أسباب انخفاض سعر الفروج إلى هذه المستويات!
فهل مرد ذلك لقانون العرض والطلب فقط، أم لأسباب نجهلها تطرقت لها بعض التصريحات الرسمية وشبه الرسمية؟!
فقد أرجع مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة محمد خير اللحّام، سبب انخفاض سعر الفروج إلى الإجراءات الوزارية، التي سمحت للمداجن المرخصة وغير المرخصة بالدخول في خط الإنتاج والحصول على مستلزماتها من المحروقات والعلف، مما لعبت دوراً مهماً بانخفاض الأسعار!
في حين أفاد عضو لجنة الدواجن عصام العيسى، أن الدجاج ذا السعر المنخفض هو في الغالب «ستوكات»، وهي البقايا المتبقية من إنتاج المزارع بعد فشل نمو بعض الطيور بشكل كامل!
فيما ذهب أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة إلى سيناريوهات الغش، كذبح الطيور التي نفقت في أثناء نقلها بين المحافظات نتيجة للاختناق بسبب الحرارة أو البرد وبيعها بأسعار مخفضة، إضافة إلى إطعام الطيور في المداجن أعلافاً تحتوي على فطريات نتيجة لسوء التخزين ووجود الرطوبة، مما يؤدي إلى تعفّنها، محذراً من السموم التي تتراكم في كبد الفروج، وعند أكلها تتراكم أيضاً في كبد الإنسان!
التصريحات أعلاه متناقضة جداً، فبعضها يشيد بقرار وزاري، والآخر يحذر المواطن من البضاعة الفاسدة والغش، مع استمرار تسجيل غياب دور التموين وهيئات الرقابة المعنية على الأسواق!
وهنا نتساءل كمواطنين هل نستمتع بوجبة دجاج رخيصة نسبياً بعد أن أصبح الدجاج حلماً، أم لا بسبب انعدام الثقة بالرقابة على الأسواق، وخاصة ناحية سلامة الغذاء؟!
لا مبررات إلا الاستغلال والجشع!
واقع الحال يقول إنه لا مبرر حقيقي وجدي لأي ارتفاع أو زيادة في الأسعار، وخاصة بالنسب المرتفعة أعلاه التي لا تتناسب حتى مع ذريعة ارتفاع الطلب بسبب موجات النزوح المستجدة!
فالسبب الوحيد لهذه الارتفاعات هو بلا شك الجشع والطمع غير المبرر للتجار الكبار المتحكمين بالسلع وبحركة الأسواق، والذين تحولوا إلى حيتان تبتلع، في كل فرصة سانحة أو أزمة، مقدرات المواطن المفقر محدود الدخل!
وبطبيعة الحال لا يجد الكلام الأخلاقي والوعظ الإنساني آلية لاختراق آذان هؤلاء الوحوش، فتجاراتهم المتحكمة بقوت الناس تُغلّف بحديثهم اليومي عن الدولار وتأثيره حتى على باقة البقدونس، خاصة تحت وطأة التغطية والدعم الرسمي بالحديث عن العقوبات والحصار والحرب الأخيرة التي تُبرّئ ساحتهم عملياً، إضافة إلى ما تسفر عنه السياسات الرسمية من أزمات، وخاصة سياسات تخفيض الإنفاق العام والدعم، وما تولده من نتائج على مستوى تقويض الإنتاج المحلي، وبالتالي الاضطرار لزيادة السلع المستوردة لتغطية نقص الاحتياجات، أي مزيد من تراجع الإنتاج والزيادات السعرية والتضخم، وهكذا في دوامة مستمرة من تهديم البنية الاقتصادية عموماً، والتي يدفع ضريبتها المواطن المفقر خاصة والاقتصاد الوطني عموماً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1196