قراءة أولية في بعض أرقام موازنة عام 2025!
معن الأمير معن الأمير

قراءة أولية في بعض أرقام موازنة عام 2025!

أعلن وزير المالية، في تصريح للصحفيين عقب اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 10/10/2024، عن اعتمادات الموازنة العامة للدولة للعام 2025، حيث بلغ مجموع اعتمادات الموازنة العامة للدولة للعام القادم /52600/ مليار ليرة سورية.

وقال الوزير إن الموازنة تطورت ونمت بنسبة 48%، وكان التقسيم لهذه الاعتمادات خلال الفترة الماضية (في موازنة عام 2024)، 75% منها موجه للإنفاق الجاري و25% للإنفاق الاستثماري، أما في مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2025 تم توجيه 30% من الإنفاق العام للإنفاق استثماري، بمعنى تم توجيه حصة أعلى لإنفاق يزيد من مستوى الإنتاج في الاقتصاد السوري لإنفاق ذي قيمة مضافة يمكن أن يساهم بنسبة كبيرة بتعزيز معدلات التنمية الاقتصادية، في حين بلغ الإنفاق على الأغراض الجارية ما نسبته 70%.
فما هي حقيقة بعض أرقام الموازنة المعلنة ونسبها؟!

الزيادة الاسمية لا تتجاوز 25%!

للتذكير فقد أقرت اللجنة الاقتصادية سابقاً رفع سعر الصرف المعتمد في الموازنة العامة من 11,500 ل.س للدولار في موازنة العام 2024 إلى 13,500 في مشروع الموازنة العامة للعام 2025.
زيادة سعر الصرف أعلاه يعني أن الزيادة التي يتكلم عنها وزير المالية هي أقل مما هو معلن، فبتحويل قيم الاعتمادات من الليرة السورية إلى الدولار وفقاً لسعر الصرف أعلاه نجد أن قيمة الاعتمادات في العام 2024 البالغة 35,500 مليار ل.س، تعادل نحو3,1 مليار دولار، أما الاعتمادات المخصصة في الموازنة للعام 2025 فبلغت بالدولار نحو 3,9 مليار دولار، ما يعني أن نسبة الزيادة نحو 25% فقط، ناهيك عن أثر متغيرات سعر الصرف في السوق السوداء، وبغض النظر أيضاً عن معدلات التضخم!

معدلات التضخم لوحدها ستبتلع 55% من الاعتمادات!

وفقاً لتصريح معاونة حاكم مصرف سورية المركزي مها عبد الرحمن، في مقابلة أجرتها مع قناة سما بتاريخ 26/5/2024، فإن معدل التضخم المحسوب على أساس سنوي بلغ 122% في نيسان الماضي، ما يعني، وعلى افتراض ثبات معدل التضخم على ما هو عليه ضمن عام 2025، فإن كل مبالغ الاعتمادات أعلاه، الاستثماري والجاري وغيرها، ستتآكل بفعل التضخم بما لا يقل عن 55% تقريباً!
فوفقاً لعامل التضخم أعلاه فإن حجم الاعتمادات لموازنة عام 2025، والذي يبلغ 52,600 مليار ليرة، يعادله في العام 2024 من حيث القدرة الشرائية لليرة ما لا يزيد عن 23,670 مليار ليرة فقط لا غير!
فهل بعد ذلك يمكن الحديث عن زيادة حقيقية في أرقام الموازنة العامة للدولة لعام 2025 واعتماداتها؟!

زيادة الإنفاق الاستثماري!

يعتبر الإنفاق الاستثماري من أهم النفقات إذا ما كانت الغاية منه فعلاً تعزيز دور الدولة في النشاط الاقتصادي، خاصة وأنه يشمل افتراضاً زيادة الموجودات الثابتة في الدولة، وزيادة الدخل القومي، وزيادة الإنتاج، ودعم الاقتصاد الوطني ودور الدولة في الاقتصاد، سواء من ناحية تخفيض معدلات البطالة، أو توجيه الاستثمارات بما يتناسب والمصلحة والحاجة الوطنية!
وقد أقرت اللجنة الاقتصادية زيادة الاعتمادات الاستثمارية من 6,800 مليار ل.س في العام 2024 إلى 11,100 مليار ل.س في العام 2025، بنسبة زيادة اسمية 62%.
لكن بتحويل مبالغ الاعتمادات أعلاه إلى معادلها الدولاري نجد أن نسبة الزيادة في الاعتمادات الاستثمارية لا تزيد عن 39% وفقاً لمتغيرات سعر الصرف المعتمد في مشروع الموازنة، وليست 62% كما ورد أعلاه، مع غض النظر عن معدل التضخم كما ذكرنا سابقاً!

مشكلة مصادر التمويل!

بحسب حديث وزير المالية تم تخفيض نسبة العجز إلى 21%، علماً أنها كانت في الموازنة العامة للدولة لعام 2024 بنسبة 26%، الإيرادات المحلية ستموّل نحو 80% من هذا الإنفاق، ولدينا خطة طموحة لتعزيز الإيرادات ولا سيما من خلال تعزيز العائد من إدارة أملاك الدولة. لا يوجد في موازنة عام 2025 أي تخطيط لفرض أي ضريبة جديدة.
لنتساءل بالتالي عن مصادر التمويل من الإيرادات المحلية، بعد استبعاد نسبة العجز المبرمجة مسبقاً!
فالقطاعات العامة ذات الطابع الإنتاجي والاقتصادي، كشركات القطاع العام (النفط، الزراعة، الصناعة.. إلخ)، مؤشراتها تقول إنها في تراجع عام بعد آخر بسبب السياسات الرسمية المتبعة وخاصة مع ذرائع العقوبات والحصار، وبالتالي لا يعول عليها على مستوى زيادة الإيرادات المحلية!
أما الحديث عن عدم فرض ضريبة جديدة، أي عدم ابتداع مطارح ضريبية جديدة، فلا يعني عدم الزيادة على المطارح الضريبية الموجودة مسبقاً، وخاصة الضرائب غير المباشرة، في ظل تشوه النظام الضريبي الذي يساعد بشكل كبير على زيادة التهرب الضريبي، وخاصة من كبار المكلفين، واعتماده بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة التي تجبى من الجيوب وبقرارات عشوائية وبجرة قلم، مثل قرار تبديل اللوحات للمركبات وغيره من القرارات الشبيهة!
أما عن تعزيز العائد من إدارة أملاك الدولة فهذا يعني مزيد من الخصخصة المباشرة وغير المباشرة لهذه الأملاك، سواء كانت لمؤسسات وشركات القطاع العام أو للأراضي والملكيات الأخرى التي تندرج ضمن أملاك الدولة، وهذا لا يخرج عن حيز السياسات المتبعة والقوانين المخصصة لهذه الغاية، تحت عناوين الاستثمار والتشاركية!
ليتبين أن الزيادات الرقمية المعلنة في الموازنة العامة ما هي إلا لعبة طرابيش تقوم بها الحكومة بعيداً عن أية زيادات حقيقية تلبي الغاية منها، وخاصة على مستوى الاعتمادات الاستثمارية واعتمادات الدعم، وهي في الوقت نفسه مبرر لزيادة تخلي الدولة ليس عن واجباتها ومسؤولياتها فقط، بل وعن ملكياتها أيضاً، ولعل ذلك يندرج ضمن تفسير مفردة «المحرمات» التي أشار إليها رئيس الحكومة في طرح الأفكار والرؤى الحكومية، خلال جلسة الحكومة بتاريخ 8/10/2024!

زيادة الدعم الاجتماعي وما وراءه!

في التفصيل المعلن عن الاعتمادات المخصصة للدعم الاجتماعي، فقد بلغ بشكل إجمالي 8,325 مليار ليرة، بزيادة اسمية بلغت نحو 33% عن العام السابق، حيث بلغ حجم الاعتمادات المخصصة للدعم الاجتماعي في العام 2024 نحو 6,200 مليار ليرة.
لكن أيضاً بتحويل القيم إلى معادلها الدولاري فإن حجم الزيادة لا يتعدى 14% وفقاً لأسعار الصرف المعتمدة، مع عدم تغييب عامل التضخم أيضاً!
لكن ما تجدر الإشارة إليه هو تخصيص مبلغ 4,000 مليار ليرة لدعم المشتقات النفطية، بزيادة اسمية بنسبة 100% عن العام السابق!
فماذا تعني زيادة 100% على اعتمادات دعم المشتقات النفطية، والتي هي افتراضاً الفارق بين السعر المدعوم وسعر التكلفة؟!
فهذه الزيادة تعني أن الفجوة بين السعرين ستزيد بهذه النسبة، وبصريح العبارة فإن ذلك يعني نية مبيتة مسبقاً لزيادة سعر التكلفة الرسمي للمشتقات النفطية خلال عام 2025 بنسبة 100% تقريباً!
لكن كيف سيكون عليه الحال بالنسبة للشرائح والقطاعات الاقتصادية المستبعدة من الدعم؟!
ليتبين أن الحكومة ما زالت تعتمد على زيادة أسعار المشتقات النفطية في تمويل جزء من نفقاتها كما جرت عليه العادة، مع غض النظر عن تداعيات ذلك السلبية على مجمل الأنشطة الاقتصادية في البلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1196