زيادة الاستهلاك الوسيط وأثره على الناتج المحلي الإجمالي استناداً إلى الأرقام الرسمية!
معن الأمير معن الأمير

زيادة الاستهلاك الوسيط وأثره على الناتج المحلي الإجمالي استناداً إلى الأرقام الرسمية!

إن زيادة الإنتاج في أي دولة تعكس افتراضاً تحسّن الوضع الاقتصادي لهذا البلد وقدرته على توفير فرص عمل إضافية، خاصة إذا ما كانت هذه الزيادة في قطاعات الإنتاج الحقيقي، كالصناعة والزراعة، وبالتالي زيادة دخل الأفراد الذي ينعكس على زيادة استهلاكهم ومدخراتهم واستثماراتهم، مما يؤدي إلى زيادة مرة أخرى في الإنتاج، والعكس بالعكس.

ويعد مؤشر الناتج المحلي الإجمالي، المؤشر الأكثر شيوعاً واستخداماً في تقييم اقتصاديات الدول حول العالم، خاصة فيما يعكسه هذا المؤشر عن حالة الاقتصاد لهذا البلد أو ذاك.
نعرض فيما يلي إحدى طرق حساب الناتج المحلي الإجمالي التي تعتمد على مكونات وبنود الإنتاج، وباختصار يتم وفقاً لهذه الطريقة حساب الفرق بين قيم الإنتاج النهائي من السلع والخدمات، وبين الاستهلاك الوسيط (الاستهلاك الوسيط يعني كل السلع والخدمات التي تدخل ضمن العمليات الإنتاجية ومنها المواد الأولية، وقطع الغيار، والمحروقات، والكهرباء وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كلفة العمالة واهتلاك رأس المال لا تدخل ضمن الاستهلاك الوسيط)، أي قيمة الإنتاج الإجمالي ناقصاً قيمة الاستهلاك الوسيط يعطي قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

المؤشرات الرقمية الرسمية!

نوضح من خلال الجدول الآتي بيانات الإنتاج الإجمالي والاستهلاك الوسيط والناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (سنة الأساس 2000) لعدة سنوات تغطي الفترة بين عام 2010 وعام 2022، وذلك بالاعتماد على بيانات المكتب المركزي للإحصاء:

1195a

تبين البيانات الواردة أعلاه ما يلي:
نمو الإنتاج الإجمالي بين العامين 2010 و2022 بما يقارب 31.2%، أي إن معدل النمو الوسطي يقدر بنحو 2.29% سنوياً.
زيادة الاستهلاك الوسيط (السلع والخدمات الداخلة في العمليات الإنتاجية كالمواد الأولية وغيرها) بين العامين 2010 و2022 نحو 151.9%، ما يعني أن معدل الزيادة الوسطي خلال السنوات يبلغ 8% تقريباً.
انخفاض الناتج المحلي الإجمالي (الفرق بين الإنتاج الإجمالي والاستهلاك الوسيط) بين العامين 2010 و2022 نحو 53%، أي إن الناتج المحلي الإجمالي انخفض وسطياً خلال هذه السنوات بمعدل 6.1% تقريباً.
شكلت نسبة الاستهلاك الوسيط من إجمالي الإنتاج 41.1% و46.7% و55.8% و78.9% ضمن السنوات 2010 و2015 و2020 و2022 على التوالي.
شكلت نسبة الناتج المحلي الإجمالي من إجمالي الإنتاج 58.9% و52.5% و44.1% و21.1% ضمن السنوات 2010 و2015 و2020 و2022 على التوالي.
مع الإشارة إلى أن البيانات أعلاه محسوبة بالأسعار الثابتة وبالليرة السورية، ما يعني عدم تدخل أثر تغيّرات سعر الصرف للدولار، فبحال تم تحويل هذه البيانات إلى معادلها بالدولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي فإن المؤشرات ستدل على انخفاض بجميع القيم!

بعض الملاحظات!

نستنتج من المعطيات السابقة أن الاقتصاد السوري يعاني من خلل بنيوي وهيكلي شديد الخطورة، ويمكن تلخيص خطورة هذا الخلل بالاستنتاج المبسّط، الساذج وغير العلمي، الذي يقول بأن زيادة أو تضاعف قيمة الاستهلاك الوسيط يؤدي إلى تراجع وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك لو كانت هذه الزيادة ناشئة عن زيادة في مدخلات الإنتاج كمواد أولية وليس في التكاليف الأخرى، علماً بضرورة الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتحديداً الاستهلاك الوسيط (المواد الأولية، حوامل الطاقة.. إلخ)، خاصة خلال سنوات الأزمة!
ولكن ما توضحه البيانات يبين أن الأمر لا يقتصر فقط على ارتفاع تكاليف الإنتاج وفقط، إنما على مشاكل جوهرية لها علاقة ببنية الاقتصاد وإدارته الرسمية!

وهذا ما نلخصه بالملاحظات الآتية:
إن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، بكونه مؤشراً يعكس حالة الاقتصاد السوري ضمن السنوات المدروسة، تم في الوقت الذي كانت فيه أهم عناصر تكوينه وتشكّله (الاستهلاك الوسيط) في نمو متزايد!
هذا يدل على أن مدخلات العملية الإنتاجية إما أن القائم على إدارتها يعاني من انعدام في الكفاءة والفعالية، وبالتالي يساهم في هدرها وتلفها وبالتالي هو ليس أهلاً لإدارة الاقتصاد الوطني، أو أن هذه الموارد يتم نهب جزء كبير منها ولا يدخل أساساً في عملية الإنتاج، والأرجح أن كلا الأمرين هما السبب الأساسي في تدهور الإنتاج والاقتصاد الوطني بشكل عام.
وإذا ما تم اعتبار ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة للحرب والأزمة هو السبب الأساسي في هذا التدهور الذي وضحناه، فهذا لا يبرر تراجع القيمة المضافة التي تتم على مدخلات الإنتاج، لأن ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتحديداً حوامل الطاقة (من كهرباء ومشتقات نفطية) كانت نتيجة لسياسات تخفيض الدعم والتقويض الممنهج لدور الدولة في الاقتصاد الوطني.

وربما كان من المفترض:
إما تخفيض تكاليف الإنتاج (الاستهلاك الوسيط) بالشكل الذي يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي!
أو على الأقل الحفاظ على مستوى الأداء في إدارة الاقتصاد الوطني كما كان عليه ضمن عام 2010 بالرغم من كل الملاحظات التي يمكن أن تساق على هذه الإدارة بحينه، وذلك من خلال استثمار مدخلات الإنتاج بشكل أكثر كفاءة وفعالية مما يؤدي إلى زيادة إجمالي الإنتاج بشكل فعلي، أي ليس بزيادة الاستهلاك الوسيط، ولكن بالقيمة المضافة الناجمة عنه، والتي تظهر بالناتج الإجمالي المحلي!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1195