تبشرنا الحكومة بأن عام 2025 سيكون أكثر سوءاً!
ناقشت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، خلال اجتماعها الأول بتاريخ 2/10/2024 برئاسة وزير الصناعة، مشروع الموازنة العامة للدولة بشقيها الاستثماري والجاري لعام 2025.
وقد تم إقرار زيادة سعر الصرف في الموازنة العامة للدولة من 11500 ليرة سورية للدولار في موازنة عام 2024، إلى 13500 ليرة سورية للدولار في مشروع موازنة عام 2025، بزيادة قدرها 17% تقريباً.
فماذا يعني إقرار زيادة سعر الصرف في الموازنة بهذه النسبة، وما هي الانعكاسات السلبية لذلك؟!
مقدمة لا بد منها!
تعديل سعر الصرف الذي تحسب على أساسه الموازنات يعني تغيير القيمة الرسمية للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية المستخدمة في الحسابات الحكومية، والحديث هنا عن الدولار الأمريكي. وهذه العملية تؤثر بشكل مباشر على كيفية حساب الإيرادات والنفقات في الموازنة العامة للدولة.
ويُستخدم هذا التعديل عادة لتحقيق أهداف اقتصادية مختلفة، مثل تحفيز النمو الاقتصادي، مواجهة التضخم، أو تحقيق توازن أفضل في الموازنة العامة للدولة.
فإذا تم رفع سعر الصرف، فهذا يعني أن العملة المحلية ستفقد جزءاً من قيمتها مقابل العملات الأجنبية، ما يؤدي إلى زيادة كلفة الواردات وانخفاض القوة الشرائية. من ناحية أخرى، قد تزيد الإيرادات الحكومية من الصادرات، مثل النفط.
فكيف سينعكس ذلك على واقعنا المحلي؟
بعض التأثيرات!
رفع سعر الصرف (أي تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية) يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد والإنتاج والاستهلاك والمستوى المعيشي، وتأثيراته في ظروف الأزمة الحالية وطبيعة اقتصادنا المشوه ستكون سلبية دون أدنى شك!
فعلى مستوى الاقتصاد بشكل عام فإن التأثيرات ستظهر مباشرة على التبويبات الآتية:
- زيادة التكاليف: رفع سعر الصرف يجعل العملة المحلية أضعف، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات من السلع والخدمات. هذا يعني أن المنتجات المستوردة (مثل المواد الخام، المعدات ومستلزمات الإنتاج، والسلع الاستهلاكية) ستصبح أكثر تكلفة.
- ارتفاع التضخم: نتيجة لزيادة تكاليف الواردات، ستزداد أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم أكثر مما هي عليه.
ولعل الإيجابية التي تعول عليها الحكومة بهذا الصدد هي زيادة الإيرادات الحكومية (إذا كانت الحكومة تعتمد على إيرادات بالعملات الأجنبية) بحال كانت الدولة مثلاً مصدرة للنفط أو للمواد الخام التي يتم تسعيرها بالدولار، فإن انخفاض قيمة العملة المحلية يعني زيادة الإيرادات الحكومية المحسوبة بالعملة المحلية.
أما على مستوى الإنتاج فستكون التأثيرات أكثر سلبية، وخاصة بما يخص زيادة تكلفة الإنتاج!
فالصناعات المحلية التي تعتمد على المواد الخام أو الآلات والمستلزمات المستوردة ستواجه ارتفاعاً في تكاليف الإنتاج، مما يؤدي إلى تقليص الإنتاج أو رفع أسعار المنتجات النهائية.
وربما لا يمكن إغفال موضوعة تعزيز التنافسية للصناعات التصديرية، فعندما تصبح العملة المحلية أرخص، تصبح الصادرات أرخص نسبياً في الأسواق العالمية، مما يعزز تنافسية الشركات المصدرة ويزيد من فرصها في زيادة حصتها في الأسواق الخارجية، ولكن هذا رهن بتكاليف الإنتاج وحصة المدخلات المستوردة منها طبعاً!
أما الأكثر سوءاً من كل ما سبق فهو التأثير على الاستهلاك، الذي يمكن اختصاره بانخفاض القوة الشرائية، فزيادة الأسعار تؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، ما يدفعهم إلى تقليل الاستهلاك أو البحث عن بدائل أرخص، ما يعني زيادة انخفاض بالمستوى المعيشي!
فارتفاع الأسعار، خاصة للسلع الأساسية، يؤدي إلى ضغط على الأسر ذات الدخل الثابت أو المحدود، والغالبية المفقرة عموماً، ما يؤدي إلى تراجع مستواها المعيشي، فالأسر التي تعيش على الحد الأدنى من الدخل ستواجه مزيداً من الصعوبات في تأمين احتياجاتها الأساسية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر، أي زيادة على مستوى عدم الرضا الاجتماعي، وهذا لا يعني الحكومة على ما يبدو!
وباختصار يمكن القول، إن رفع سعر الصرف في الموازنة سيؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة وتآكل القوة الشرائية، ما ينعكس سلباً على المستهلكين من الغالبية المفقرة، خاصة أن ذلك يتزامن مع استمرار سياسات تخفيض الإنفاق العام وسياسات إنهاء الدعم!
فرفع سعر الصرف استناداً إلى ما سبق لن يحقق تحفيز النمو الاقتصادي، كما سيزيد من معدلات التضخم، مع الشك بتحقيق التوازن في الموازنة بين الواردات والنفقات، اللهم باستثناء استمرار الحكومة بسياسة الجباية وزيادتها، وخاصة من جيوب المفقرين، لتحقيق ذلك!
كيف ستترجم نسبة الزيادة 17%؟!
زيادة سعر الصرف بنسبة 17% تعني انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بنسبة تعادل هذا الارتفاع، وتأثيرات ذلك النسبية ستطال القطاعات الاقتصادية والإنتاج والاستهلاك والأجور التي تترجم بقدرتها الشرائية كما أسلفنا!
فقطاع الإنتاج سيتأثر مباشرة بتكلفة الإنتاج الإجمالية، وذلك تبعاً لحجم المدخلات المستوردة، على ذلك فالتكلفة سترتفع بنسبة مساوية أو تزيد عن نسبة زيادة سعر الصرف، وبما يعادل نسبة زيادة تقريبية تتراوح بين 10-20%، وهذا سينعكس حكماً على أسعار المنتجات النهائية في السوق المحلي التي سيتحملها المستهلكون بالنتيجة!
وعلى مستوى أسعار السلع المستوردة فإنها ستزداد مباشرة بنسبة مقاربة لنسبة زيادة سعر الصرف، بل وأكثر منها غالباً باعتبار التسعير يتم بالسعر التحوطي وليس الرسمي، وخاصة السلع الأساسية كالمواد الغذائية وبقية الضرورات، حيث سترتفع أسعارها بنسب تقريبية تتراوح بين 15-25% بالحد الأدنى، بالتالي فإن القدرة الشرائية كنتيجة لكل ما سبق ستتراجع بنسبة أعلى من نسبة زيادة سعر الصرف بأشواط، وستكون التأثيرات السلبية لذلك أكثر وضوحاً على الغالبية المفقرة، العاجزة أصلاً عن تأمين متطلبات حياتها وضروراتها!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن رفع سعر الصرف في الموازنة سيؤدي إلى رفع سعر الصرف في السوق «الأسود» الموازي، وبالتالي زيادة الفجوة بين السعر الرسمي للصرف بموجب نشرات المصرف المركزي وسعر هذه السوق، أي سيكون ذلك فرصة أمام السوق السوداء لزيادة نشاطها أكثر، مع سلبيات ذلك التي ستؤدي إلى تخفيض إضافي لقيمة الليرة عملياً!
وتلخيصاً لما سبق فإن الزيادة في سعر الصرف بنسبة 17% في موازنة عام 2025 ستترجم كنسب تقريبية إلى:
- زيادة تكاليف الإنتاج بنسبة 10% إلى 20% تقريباً!
- زيادة أسعار السلع المستوردة بنسبة 15% إلى 25% تقريباً!
- تراجع القوة الشرائية للأجور بنسبة تزيد عن 17%!
وفي ظل انكفاء الحكومة عن مساعي تخفيف الآثار السلبية لسياساتها الاقتصادية، بل ومع استمرارها بسياسات تخفيض الإنفاق العام وقضم الدعم، فإن المؤشرات تقول إن عام 2025 سيكون أكثر سوءاً على الإنتاج والاستهلاك والاقتصاد بشكل عام، وعلى الغالبية المفقرة في البلاد بشكل خاص!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1195