لأجل دمشق نتحاور عنوان مغرٍ فقد بريقه مع أولى جلساته!
تحت عنوان «لأجل دمشق نتحاور» دعت محافظة دمشق الأهالي في أحياء دمشق لجلسات حوارية تشاركية تهدف للتعرف على آرائهم ومقترحاتهم حول المشاريع والخدمات اللازمة لتنمية أحيائهم وتطويرها. ولتكون فرصة قيّمة للمساهمة الفعالة في رسم المستقبل.
وللمشاركة وضعت المحافظة رابطاً لتعبئة استمارة تتضمن مجموعة من البيانات الخاصة بالراغبين للمشاركة في الحوار المزمع، والتي يتم على أساسها تحديد المحاورين المستهدفين للتواصل معهم لاحقاً من قبل المحافظة لتحديد مكان وزمان جلسات الحوار!
الدعوة إلى الحوار التشاركي من قبل المحافظة هي للنقاش بمحور واحد هو التعرف على آراء ومقترحات المحاورين حول المشاريع والخدمات اللازمة لتنمية أحيائهم وتطويرها. أما الغاية منه فهي اعتبار آراء ومقترحات المحاورين «مفتاحاً لتحقيق تنمية مستدامة تلبي احتياجات جميع أفراد مجتمعنا وأجيالنا القادمة»، وصولاً إلى رؤى تنموية صحيحة خدمة للمصلحة العامة، بحسب ما ورد في الدعوة.
البديهيات والتساؤلات المشروعة!
الحوار كمفهوم عام هو أداة تواصل وتفاهم قائمة على حسن الاستماع والاحترام المتبادل بين أطرافه، ويساعد على حل الخلافات عبر الانفتاح والشفافية، وصولاً إلى تفاهمات مشتركة يبنى عليها علاقات إيجابية مستدامة، تستفيد منها جميع أطرافه من خلال تعاونها المشترك.
ومن جملة ما يتطلبه الحوار وتفرضه غاياته وأهدافه، بالإضافة إلى الاعتراف بالمشكلات والخلافات كخطوة أولى لا بد منها، هو القدرة على التنازل المتبادل بين أطرافه للوصول إلى حلول توافقية لبعض الخلافات.
فكيف ينطبق هذا المفهوم العام على الحوار الذي دعت إليه المحافظة مع الأهالي؟!
فحوار المواطنين مع الجهات الرسمية يجب ألا يغيب عنه حدود المسؤوليات والواجبات اقتراناً بالحقوق، فهذه العناوين من المفترض أنها خارج الحوار التفاوضي، فهي مبوبة دستوراً وقانوناً، وبالتالي خارج اعتبارات التنازلات المتبادلة دون أدنى شك!
فهل الغاية من الحوار الذي دعت إليه المحافظة إعادة التعريف بواجباتها وحدود مسؤولياتها، علماً أنها معلومة ومقوننة؟
أم مساومة الأهالي على بعض حقوقهم المصونة لفرض التنازل عن جزء إضافي منها، وخاصة على المستوى الخدمي بعناوينه الكثيرة؟
أم هو لتبرير التقصير، عبر عرض ذرائع الإمكانات المحدودة من باب «الشفافية»، وبالتالي تكريس التهرب من المسؤوليات وضياع الحقوق؟!
أم لفرض سياسات وآليات عمل ومشاريع قادمة، بالاستناد الذرائعي لنتائج الحوار وباسم الأهالي؟!
أم إن الأمر لا يعدو كونه نشاطاً تسويقياً وترويجياً للمحافظة، كي تظهر بدور المهتم بقضايا وهموم الناس؟!
أما السؤال الأهم فهو ماذا عن ممثلي الأحياء المنتخبين ودورهم بهذا الشأن، هل هم مغيبون عن أدوارهم ومهامهم المفترضة في المجالس المحلية والمكتب التنفيذي للمحافظة، أم إنهم مفصولون عن مشاكل وهموم مجتمعاتهم؟!
فدعوة المحافظة للتعرف على آراء ومقترحات الأهالي تتضمن بشكل أو بآخر إدانة لممثلي الاحياء المنتخبين من الأهالي عملياً، وتجاوزاً لدورهم ومهامهم وواجباتهم!
الجلسة الحوارية الأولى!
جرت الجلسة الحوارية الأولى بتاريخ 13/9/2024 في نادي المحافظة الرياضي، وكانت مخصصة لأحياء الميدان والقنوات والشاغور وكفرسوسة، «بهدف التعرف على رؤاهم حول المشروعات والخدمات اللازمة لتنمية أحيائهم وتطويرها»، بحسب صفحة المحافظة.
طبعاً لا أحد يعلم كيفية اختيار من حضر الجلسة باسم الأهالي، فالتسجيل عبر الرابط الذي أتاحته المحافظة لهذه الغاية لا يوفر هذه المعلومة، وبالتالي فإن الآلية الانتقائية باختيار الحضور كانت مغيبة عملياً، وهي أولى الإدانات المسجلة باسم «الشفافية» المفترضة والغائبة عملياً!
وبحسب ما ورد على صفحة المحافظة الرسمية «تناول الحوار عدداً من الموضوعات الخدمية والتنموية المدرجة ضمن خطة المحافظة لتنفيذها، أهمها مشروع نفق المجتهد – باب مصلى وتحديث البنية التحتية من مياه واتصالات وكهرباء وصرف صحي في المنطقة وإعادة تأهيل جسر السيد الرئيس والتعرف على آرائهم حول هذه المشروعات ومقترحاتهم للمساهمة الفاعلة في تنفيذ المشروعات ذات الأولوية لمنطقتهم وللمحافظة».
لكن من الناحية العملية أكدت الجلسة الأولى أن الغاية من عنوان الحوار هي عرض مشاريع وخطط المحافظة، وقد أخذ مشروع نفق المجتهد- باب مصلى الحيز الأكبر منها ترويجاً وتسويقاً، بالإضافة إلى مشروع إعادة تأهيل جسر السيد الرئيس، فيما كانت القضايا الخدمية بدرجة أقل من الأهمية!
وكذلك لم تبين المحافظة، على صفحتها أو موقعها، ما تم التوصل إليه من نتائج على ضوء الحوار مع الأهالي بجلسته الأولى حسب ما هو مفترض ومتوقّع على ضوء الحملة التسويقية للحوار باسم دمشق ولأجلها!
فلا قرارات ولا توصيات باسم المحاورين، مع العلم أن الجلسة الحوارية كانت بحضور المحافظ، بما يحظى به قانوناً من صلاحيات واسعة تخوّله لاتخاذ القرارات، بل جل ما هناك أنها شاركت رابط تقرير تغطية الفضائية السورية للجلسة!
وقد أتى التقرير المعد من الفضائية السورية لتغطية جلسة الحوار ليؤكد ذلك، فجميع من التقت بهم الفضائية من المتحدثين تمحور حديثهم عن مشروع النفق وأهميته فقط لا غير، وغابت كل العناوين الأخرى، باختلاف درجات أهميتها!
طبعاً لن نقلل من أهمية مشروع نفق المجتهد المزمع إنجازه من قبل المحافظة مع بداية العام القادم، لكن هذا المشروع موضوع في خطة المحافظة وموافق عليه من مكتبها التنفيذي سلفاً، وسبق أن تم الإعلان عنه منذ عدة أشهر، وبالتالي فإن وضعه كمحور للتحاور فيه مع الأهالي لن يقدم ولن يؤخر، باستثناء إضفاء مشروعية عليه باسمهم وتحت عنوان الحوار!
واستناداً إلى الجلسة الحوارية الأولى، ومحورها الوحيد الذي سلط الضوء عليه وهو مشروع نفق المجتهد، مع الترويج والتسويق لأهميته، والمبلغ الكبير الذي يجب تأمينه لإنجازه، يمكن معرفة حال ومآل الجلسات الحوارية القادمة مع بقية ممثلي الأحياء من المحاورين المنتقين من قبل المحافظة، ووفق المشاريع المقرة من قبلها سلفاً، والمسقوفة عملياً بالاعتمادات المخصصة لها، مع غياب الكثير من العناوين التي تمس حياة المواطنين اليومية عملياً!
فالعنوان الجميل والمغري «لأجل دمشق نتحاور» فقد بريقه مع أولى جلساته، التي كانت خاوية من أي قرارات أو توجيهات أو توصيات تشجيعية لمواصلة الحوار مع الأهالي في بقية أحياء العاصمة والتي تصب افتراضاً بخانة الغاية المعلنة منه، وهي تحقيق تنمية مستدامة تلبي احتياجات جميع أفراد المجتمع والأجيال القادمة، وصولاً إلى رؤى تنموية صحيحة خدمة للمصلحة العامة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192