شوكة... شهر المونة!
لأول مرة منذ ما يقارب العقد يستقبل المواطن شهر «المونة» دون هموم من مبدأ «الطناش المطعم بالقهر»، ليس نتيجة تحسن وضعه المعيشي، فسياسات الحكومة الجائرة وغير المدروسة لم تتغير كذلك منهجيتها الإفقارية، وليس بسبب عودة الأسعار إلى معدلاتها المنطقية، فما عاذ الله أن يكون هذا أو ذاك، لكن المواطن المفقر وصل به سوء الحال إلى آفاق سوداء مسدودة!
فلا أمل مع السياسات الحكومية، لذلك تكرس اعتياد غياب مونة الشتاء وبات مألوفاً، خاصة بعد غياب هذا الطقس الهام لما يقارب الخمس سنوات وبصورةٍ بدأت بكونها جزئية بداية، لتغدو مؤخراً ظاهرةً كلية ومعممة!
كل شي موجود بالسوق!
حدثتنا السيدة وفاء- موظفة حكومية- عن «صبحياتها» مع زميلاتها في العمل، والتي سيطر عليها حديث المونة قائلةً: «كلما فُتح حديث المونة أُعقب: وليش المونة بهالوقت... كل شي موجود بالسوق وإيمت مابدك... بتشتهي الشغلة بتنزلي بتجيبها!»
السيدة وفاء حالها حال معظم ربات البيوت، تحاول تجاوز عجزها القسري، وتأجيل ما يمكن تأجيله من استحقاقات ولوازم منزلية بسبب تردي وسوء الوضع المعيشي!
فنعم كل شيء موجود في السوق لكن المواطنين المعدمين لن يستطيعوا شراء كفايتهم من احتياجاتهم، لا الآن ولا غداً!
فبعد عجزهم عن شراء كيلو البامية البالغ 30 ألف في موسمها كيف سيتسنى لهم شراؤه شتاءً، كذلك الملوخية التي تجاوزت 15 ألفاً؟!
كعائلة ستحتاج للمونة وسطياً إلى 5 ك بامية، بتكلفة150 ألف، و6 ك ملوخية، بتكلفة 75 ألف، أي 225 ألف، عندها لن يتبقى من دخل المواطن ما يكفي لبقية تكاليف معيشته اليومية!
هذا من ناحية أما من الناحية الثانية فتأتي معضلة «الجاج أطيب أم اللحمة»!
فطبخة البامية والملوخية تحب الدسم كما يقال، والتي حلتها صديقتنا وفاء مع زميلاتها بطريقةٍ ابتكرنها «منقليها بزيت ومنكها بشوية سمنة... ومنذبحلا ظرفين ماجي بتجيب الطعمة»!
هل سيعود «المكدوس» ضيفاً على موائدنا؟
«ماما رح تعمليلنا مكدوس... أم رفيقتي عملتلن!»
سؤال بسيط طرحته ابنة السيدة وفاء، وهي طفلة صغيرة ذات سبعة أعوام!
ونكاد نجزم أن السيدة وفاء تمنت حينها لو أنها في حياة أخرى لقاء شعور العجز الذي اعتراها من سؤال طفلتها وحقها!
فكيلو الباذنجان بلغ 4 آلاف والفليفلة تجاوزت 5 آلاف، أما الثوم فقد حلق بعيداً ليقارب 90 ألف، والجوز 100 ألف- وبلا الجوز- والزيت (فلا نستطيع تخزين المكدوس دونه) بلغ 112 ألف، وهذا لم نتحدث عن الملح والغاز!
بعد حسبةٍ مطولةٍ وصلت والدة الطفلة إلى معادلتها التقشفية المثلى، التي استبعدت فيها الجوز واستبدلت زيت الزيتون بزيت نباتي، ومفادها 50 كيلو مكدوس تكلف 500 ألف، أي راتبها لشهرين، وهنا قررت الاكتفاء بـ 10 كيلو مكدوس بتكلفة 100 ألف، «رد شهوة لطفلتها» على حد قولها، ستقتطعها من دخلها المحدود على مدار شهرين!
يتساءل البعض أين المشكلة؟
المشكلة أننا يوماً تلو آخر نفقد جزءاً من طقوسنا كسوريين عنوة، ونعتاد ذلك!
فكمية الإذلال والقهر الذي مُورس ويمارس على المواطن المفقر لا بد أن يودي به إلى هذا الطريق المسدود، ولا بد أن يقتل الأمل داخله ويرفع من عتبة اللا مبالاة كردّ فعل طبيعي، ليحمي نفسه من أزمة قلبية ربما، فما باليد حيلة!
فالحكومة صماء، والحيتان يزدادون جشعاً مع الوقت، والضحية المواطن المفقر الذي تنازل قهراً وغصباً عن حقه بالتمتع ولو «بمكدوسة» في الشتاء، أو حتى بطبخة «ملوخية» أو «بامية» كانت تجمع العائلة!
فهل نستطيع تخيل حجم الحرمان والفقر والقهر؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1190