2000 ليرة كاملة زيادة سعرية على التبغ!

2000 ليرة كاملة زيادة سعرية على التبغ!

أعلنت الحكومة عبر صفحتها بتاريخ 24/8/2024 عن إقرار زيادة سعرية على التبغ لموسم 2024-2025، وتأتي هذه الزيادة بعد ثمانية أشهر من تحديد سعر شراء المحصول الذي أقرّته الحكومة بتاريخ 24/1/2024.

وقد كان من المتوقع أن تكون الزيادة السعرية منصفة للمزارعين بعد هذه المدة، خاصة أن السعر السابق كان مجحفاً وخاسراً بالنسبة إليهم، بل ولا يغطي تكاليف الإنتاج والتعب المضني على هذا المحصول الممتد بموسمه ليغطي كامل العام!
والمتوقع الأهم أن تكون الزيادة السعرية تنافسية مع القطاع الخاص، الذي فسح له المجال بشراء التبوغ مباشرة من المزارعين، وبشكل مشرعن ومقونن، ولم يعد ذلك يشكل مخالفة تستوجب الملاحقة والغرامة كما كانت عليه الحال سابقاً عندما كان قطاع صناعة التبغ وشراؤه وتسويقه محصوراً بيد الدولة من خلال مؤسسة التبغ!

تفاصيل الزيادة السعرية الضئيلة!

الخبر كما ورد على صفحة الحكومة كان كما يلي: «وافق رئيس مجلس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال المهندس حسين عرنوس على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تأييد مقترح وزارة الصناعة- المؤسسة العامة للتبغ- بزيادة أسعار شراء محصول التبغ من المزارعين لصالح المؤسسة العامة للتبغ لموسم 2024-2025. وتأتي الموافقة على زيادة أسعار شراء محصول التبغ من المزارعين بهدف تشجيعهم على زيادة الإنتاج وتقديم تبوغ بمواصفات جيدة وكذلك لتخفيض الهدر أثناء عملية الفرز للتبوغ وتحسين نوعية المنتج النهائي».
وفي متنه تم إيراد الأسعار الجديدة لأصناف التبغ، والتي تبين من خلالها أن الزيادة المقرة كانت 2000 ليرة/كغ فقط لكل الأصناف، باستثناء صنف بريليت الذي كانت الزيادة السعرية عليه 3000 ليرة/كغ، وهي زيادة أقل من ضئيلة، تكرس الإجحاف بحق المزارعين!
والجدول التالي يبين السعر القديم والجديد ونسبة الزيادة السعرية:

1189c

فهل هذه الزيادة السعرية ستشجع المزارعين على زيادة الإنتاج، كما ورد في متن الخبر الرسمي أعلاه، أم هي لتكريس خسارتهم من أجل دفعهم للعزوف عن زراعة هذا المحصول أو الاضطرار للجوء إلى القطاع الخاص لتسويقه؟!
فبحسب المزارعين فإن السعر الرسمي للتبوغ، حتى بعد الزيادة الضئيلة المستجدة، هو سعر غير مجزٍ، بل وخاسر بكل المقاييس، فتكاليف الإنتاج تضاعفت منذ بداية العام وحتى الآن بسبب الارتفاعات السعرية وعوامل التضخم، وهي مستمرة بالتزايد على مستوى تفاصيلها كافة، اعتباراً من تكاليف الحراثة والزراعة، وليس انتهاء بأجور الحراسة!

لمصلحة مَن؟!

تجدر الإشارة إلى أن السعر المقر من قبل الحكومة هو لشرائه لمصلحة المؤسسة العامة للتبغ، لكن المؤسسة لم تعد تملك الحصرية بشراء المحصول من المزارعين وبالسعر الذي يتم تحديده من قبل الحكومة كما كان معمولاً به سابقاً بشكل ملزم، بعد أن تم التفريط بهذه الحصرية بعد صدور المرسوم التشريعي رقم /١٦/ الذي يجيز للقطاع الخاص الاستثمار في صناعة التبغ وشرائه بهدف تصنيعه وتسويقه مصنعاً!
فقد ورد في التعليمات التنفيذية للمرسوم، الصادرة بالقرار الحكومي رقم /21/ لعام 2024، ما يلي: «يتم تأمين حاجة المنشآت الصناعية الخاصة من التبوغ من المؤسسة العامة للتبغ أو من المزارعين والفلاحين مباشرة من خلال الزراعات التعاقدية».
فالباب بات مشرعاً أمام القطاع الخاص لشراء التبوغ من المزارعين مباشرة، وبالسعر الاستغلالي الذي يتم تحديده من قبلهم طبعاً!
على ذلك ووفقاً للسعر المحدد رسمياً أعلاه فمن المفروغ منه أن المزارعين سيضطرون لبيع محصولهم إلى القطاع الخاص، ولو كان الفارق السعري بسيطاً بالمقارنة مع السعر الرسمي أعلاه، فالمنافسة بين مؤسسة التبغ والقطاع الخاص لشراء المحصول أصبحت مشروعة، لكنها على حساب المزارعين بالنتيجة!
ولعل تحديد السعر الرسمي للتبوغ بهذا الشكل المجحف وغير المنصف هو خدمة جليلة لمصلحة القطاع الخاص، الذي سيشتري هذه التبوغ بزيادة سعرية محدودة على السعر الرسمي لاستقطاب أكبر كمية منها!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن سعر التبغ في السوق يتراوح بين 150-300 ألف ليرة/كغ، حسب الصنف والجودة!
وأمام هذه المفارقات العجائبية نتساءل كيف ستصبح عليه حال مؤسسة التبغ على ضوء المنافسة المفتوحة مع القطاع الخاص لشراء محصول التبغ وتصنيعه وبيعه، وفي ظل هذا النمط من التسعير الرسمي الجائر؟!
فإذا كانت الخشية من تراجع إنتاج المحصول عاماً بعد آخر بسبب التسعير الرسمي غير المنصف للمزارعين مشروعة سابقاً، فإن الخشية على استمرار مؤسسة التبغ وبقائها أصبحت الآن أكثر مشروعية!
فمع المنافسة غير العادلة مع القطاع الخاص، بعد كسر حصرية واحتكار مؤسسة التبغ، والتي كرّستها الأسعار الرسمية غير المنصفة للتبوغ بحسب ما ورد أعلاه، لن تمكن المؤسسة إلا بشراء كميات محدودة من التبوغ، وبمواصفات وجودة متدنية، بأحسن الأحوال!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى مادة بقاسيون تحت عنوان: «زراعة وصناعة التبغ من الاحتكار إلى الإنهاك وصولاً إلى التفريط!» بتاريخ 12/5/2024، ورد فيها ما يلي: «الحديث عن المنافسة في عمليات الشراء والتصنيع والتسويق هو حديث عن منافسة مع المؤسسة العامة للتبغ مع مستثمري القطاع الخاص عملياً، وعلى حسابها من كل بد، مع عدم ضمان تحقيق الفائدة من قبل المزارعين... المنافسة مع القطاع الخاص لن تقف عند حدود شراء التبغ من المزارعين، ولا عند المنافسة على المنتجات المصنعة في السوق المحلية، بل وحتى على استقطاب الخبرات المتراكمة لدى فنيي المؤسسة العامة للتبغ، ومن غير المستغرب بعد ذلك أن تفقد مؤسسة التبغ خبراءها وفنييها تباعاً... كل ما سبق هي المقدمات التي كان لا بد منها من أجل كسر حصرية واحتكار الدولة لهذا القطاع، تماشياً مع سياسات التحرير الاقتصادي المتبعة رسمياً، كنهج ومسيرة بدأت منذ عقود، ومستمرة حتى تاريخه!».
واختصاراً يمكن القول إنه بعد كسر وإنهاء حصرية واحتكار الدولة لقطاع صناعة وشراء التبغ وتسويقه بشكل مشرعن وقانوني، تستكمل حلقات تجيير هذا القطاع الهام لمصلحة القطاع الخاص من خلال آليات التسعير المجحفة كي يستحوذ عليه بكل سلاسة وبلا صخب!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1189