مشروع الدعم النقدي لإنهاك المواطن حالياً فالحكومة ليست على عجلة من أمرها!

مشروع الدعم النقدي لإنهاك المواطن حالياً فالحكومة ليست على عجلة من أمرها!

بعد أن منحت الحكومة المواطنين، أصحاب البطاقات الذكية من مسحقي الدعم، مهلة ثلاثة أشهر سقفاً زمنياً كي يتمكنوا من فتح حساباتهم المصرفية الخاصة لتنفيذ التوجه الرسمي بخصوص استبدال الدعم العيني بالنقدي، تبين أنها ليست على عجلة من أمرها بهذا المشروع!

ففي معرض السرد لمجريات جلسة الحكومة بتاريخ 2/7/2024، بحسب صفحة الحكومة الرسمية، ورد الآتي: وختم مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية: «إذ تؤكد الحكومة على مضيها قدماً في تنفيذ هذا المشروع الحكومي والوطني الهام على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، فإنها لا تجد نفسها أبداً على عجلة من أمرها في اتخاذ الخطوات التنفيذية لهذا المشروع، وستتم المتابعة بكل هدوء ودقة ومراجعة ولن يتم اتخاذ الخطوات والقرارات التنفيذية قبل التأكد من سلامتها وكفاءتها وعدالتها».

المشروع للعام القادم!

خلال جلسة الحكومة بتاريخ 2/7/2024 ناقش مجلس الوزراء ملف إعادة هيكلة الدعم في سياق السعي إلى إيصاله إلى مستحقيه بكلِّ كفاءة وعدالة وشفافية، والتوجهات الحكومية لتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي يتم إيداعه في الحسابات المصرفية لحاملي بطاقات الدعم بشكل شهري، بهدف إرساء سياسة دعم تلبي متطلبات المواطنين وتخفف الهدر والخلل المصاحب للحلقات التسويقية، وذلك وفق برنامج زمني مدروس ومخطط.

وقد ورد أيضاً: «وكان المجلس قد استعرض عمل اللجان الفنية في الوزارات والجهات المعنية وإجراءات تجهيز البنى التحتية اللازمة لآلية تقديم الدعم نقداً للمواطنين، حيث وجه المهندس عرنوس الجهات المعنية التنسيق المستمر لإنجاز منظومة إيصال الدعم نقداً على أن تكون جاهزة قبل نهاية العام الحالي، وطلب من اللجنة الاقتصادية تقديم مذكرة شهرية عن مدى تقدم الأعمال والتزام كل وزارة بالبرنامج الزمني للتنفيذ بما يضمن الخروج بصيغة متطورة ومتكاملة».

ما سبق أعلاه يعني أن مشروع استبدال الدعم العيني بالنقدي لن يوضع بالتنفيذ قبل بداية العام القادم، لذلك وبكل وضوح أعلنت الحكومة أنها ليست على عجلة من أمرها بشأنه!
الأكثر من ذلك أن الحكومة بالرغم من إعلانها الخطوط العامة العريضة لهذا المشروع عبر صفحتها لكن خطواته التنفيذية التفصيلية ما زالت مجهولة بالنسبة إليها، بدليل تكليف اللجنة الاقتصادية بمتابعة الوزرات المعنية بشأنها، بحسب ما ورد أعلاه، ولا ندري أين هي الشفافية التي تدعيها الحكومة بهذا الشأن!

لإنهاك المواطن فقط لا غير!

ما يثير الاستياء بهذا الصدد أن الحكومة ليست على عجلة من أمرها، والمشروع غير مستكمل ولن يوضع بالتنفيذ قبل بداية العام القادم، ومع ذلك فقد فرضت العجلة على المواطنين والضغط على المصارف من أجل فتح الحسابات المصرفية بسقف زمني ثلاثة أشهر!

وكأن المهلة التي فرضتها الحكومة على المواطنين لفتح الحسابات المصرفية غايتها إرباكهم وإنهاكهم خلال هذه الفترة أكثر مما هم منهكون منه أصلاً، مع سبق الإصرار والتصميم على ذلك!
فمشروعها ما زال قيد الدرس والمتابعة مع الوزارات المعنية، ولن يستكمل وصولاً للبدء بالتنفيذ حتى العام القادم، ومن تاريخه وحتى ذاك الوقت سيبقى المواطنون بحالة إرباك، يزيد من وتيرتها ما يتم إضافته من تفصيلات أو توضيحات رسمية تزيد من الإبهام والغموض، بدلاً من التوضيح والشفافية المدعاة!

فزج المواطنين وإنهاكهم بفتح الحسابات المصرفية لم يكن قراراً متسرعاً من قبل الحكومة على ما يبدو، فقد تبين أنها عارفة تماماً أن مشروعها غير مستعجل ولن يوضع بالتنفيذ حالياً!

مزيد من التوضيحات السلبية بنتائجها!

أحد مكونات مشروع الحكومة، بحسب ما ورد على صفحتها، هو مكوِّن تعديل صيغة الدعم من عيني إلى نقدي، ويستند إلى:
بقاء الدعم للمادة المدعومة وهذا يعني بشكل واضح أنه ليس هناك أي طرح لرفع الدعم عن المواد المدعومة وفق هذا التوجه.
وصول قيمة هذا الدعم إلى الحساب المصرفي للمواطن المستحق، لاستخدامه بشكل مباشر لشراء المادة المدعومة.
التفسير العملي للمكون أعلاه يعني أن الدعم النقدي سيبقى مرتبطاً بالبطاقة، وبما يتم شراؤه بشكل مباشر من قبل المواطنين مستحقي الدعم من كميات للمادة المدعومة بموجبها، وبحسب مخصصاته المسقوفة منها وغير الكافية لسد حاجتهم منها، مع ما يتبع ذلك من مبالغ ستحول الى الحساب المصرفي لمستحق الدعم بالنتيجة!
على ذلك فتحويل المبلغ المستحق هو عملية تالية للشراء المباشر وليست مسبقة بحسب المخصصات، وبالتالي ما لا يتم شراؤه من كميات مخصصة من المواد المدعومة (خبز- غاز منزلي- مازوت تدفئة) لأي سبب من الأسباب، لن يتم تحويل مبلغ الدعم الخاص به إلى الحساب المصرفي لمستحق الدعم!
ولعل هذا الاحتمال يكون نادراً بالنسبة للغاز المنزلي ولمازوت التدفئة، لكنه ليس كذلك بالنسبة للخبز!

فالازدحام الشديد على المخابز (والذي سيستمر بعد التحول للدعم النقدي لأن المخصصات المسقوفة لكل أسرة لن تختلف، والآليات ستبقى على حالها) يفرض على الكثير من الناس اللجوء في بعض الأحيان اضطراراً إلى بائعي البسطات وشبكات النهب والفساد على بواباتها، وبالتالي سيفقد هؤلاء حقهم بالدعم لقاء كل ربطة خبز لا يتم شراؤها بشكل مباشر بموجب البطاقة!

والاحتمال الأسوأ هو أن يتم استغلال هذا النمط من خلال افتعال الازدحام على المخابز من قبل شبكات النهب والفساد، كما هي عليه الحال الآن، وصولاً إلى استقطاب المزيد من البطاقات للإتجار بمخصصاتها، ما يعني فسح المجال للفساد أكثر مما كان سابقاً!

أما أسوأ الأسوأ فهو أن تجري عملية تقييم لمستحقي الدعم لاحقاً استناداً إلى الكميات التي يشترونها مباشرة من المواد المدعومة والمبالغ المحولة إلى حساباتهم بموجبها، بحيث يتم استبعاد المزيد من مستحقي الدعم واعتبارهم غير مستحقين، وهو أمر غير مستبعد عن الحكومة طبعاً وفقاً لسياسات قضم الدعم المتبعة من قبلها!

والنتيجة العملية أن الحكومة بهذا الشكل تكون قد حافظت تماماً على مصالح شبكات النهب والفساد، وعلى شبكات السوق السوداء، وكذلك تكون قد خفضت من تكاليف الدعم، سواء عبر آلية الحساب التالي لعمليات الشراء المباشر، أو من خلال آليات الاستبعاد من الدعم المتبعة من قبلها!

--2

مكونات إضافية تضخيمية للمشروع!

أما المكونات الأخرى الخاصة بمشروع الحكومة «غير المستعجل» فهي مكون خاص بتعزيز بنية الدفع الإلكتروني والشمول المالي، ومكون تعزيز برامج ومشاريع الحكومة الإلكترونية، وبنية الدفع الإلكتروني والتحول الرقمي!

وبالرغم من الاستفاضة التي أوردتها الحكومة على صفحتها بما يخص هذين المكونين، إلا أن هذه الاستفاضة كانت مغرقة بالعبارات الإنشائية بغاية إظهار دور إيجابي للعمل الحكومي بشأنها ليس إلا!
مثل عبارات: «هناك بعد نوعي جوهري لهذا المكون يتمثل بقدرة الحكومة على امتلاك متطلبات الحداثة وعصرنة الإجراءات الحكومية لمواكبة سبل تقديم الخدمات وفق ما يجري إقليمياً ودولياً- تعزيز ثقافة التعامل مع المؤسسات المصرفية أُسوةً بالتوجهات العالمية والإقليمية، بما ينطوي عليه ذلك من تسهيل وتبسيط حلقة الاستهلاك!

مع مساعٍ لتضخيم ملف الدعم وإعادة هيكلته بتحميله ما لا يحتمل من إضافات تحت مثل هذه العناوين والعبارات!

فآليات الدفع الإلكتروني التي تم الإلزام بها خلال السنوات الماضية شكلت المزيد من الأعباء على المواطنين، كتكاليف وتعب، وكذلك على الفعاليات الاقتصادية في البلاد، ومن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هي البنية التحتية المتردية لشبكة الكهرباء والإنترنت، واستمرار ضعف الخدمات المصرفية ومحدودية إمكاناتها، بالرغم من كل الحديث الرسمي الذي يقول عكس ذلك!

فهل هذه هي «العصرنة» التي تتحدث عنها الحكومة وتتباهى بامتلاكها؟!

وهل سياسات قضم الدعم والإفقار والإنهاك المتواصل للمواطنين من متطلبات الحداثة والعصرنة بحسب مفهوم الحكومة لها، أم تندرج تحت عبارة «تبسيط حلقة الاستهلاك»، سعياً إلى المزيد من تقليصه بالنسبة للغالبية المفقرة؟!

ذريعة توفر الإمكانات حاضرة أبداً!

لن يقف الأمر عند الحدود السلبية أعلاه فقط، فالحكومة ما زالت تتذرع بالإمكانات المتوفرة بخصوص الدعم، حتى بعد إقرارها مشروع التحول إلى الدعم النقدي وإغراق المواطنين وإنهاكهم به!
فقد أوردت الحكومة على صفحتها ما يلي أيضاً: «وبيّن المجلس أن الحكومة أخذت على عاتقها مسؤولية إعادة هيكلة الدعم بشكل تدريجي وفق مسار زمني مدروس ومخطط يراعي الإمكانات المتوفرة، ويراعي كذلك الصعوبات والعقبات التي تواجه الجهات العامة في سياق قيامها بأدوارها المطلوبة، مشيراً إلى أن الحكومة تنتظر بكل أمل وثقة تعاون الإخوة المواطنين مع التوجهات الحكومية التي غايتها في نهاية المطاف خدمة المواطنين ولا شيء آخر».

الحديث الرسمي أعلاه يعني فيما يعنيه أن الحكومة ربما تتوقف عن تحويل المبالغ إلى الحسابات المصرفية لمستحقي الدعم بسبب عدم توفر الإمكانات لديها، وبحسب مسارها المخطط والمدروس، ولا ينقصها الذرائع لذلك!

فقد سبق للحكومة أن أنهت دعم الرز والسكر وبقية السلع الاستهلاكية الأخرى خلال السنوات الماضية، وكذلك خفضت كمية المخصصات مما تبقى من مواد مدعومة، مع فرض زيادات متتالية على أسعارها، بذريعة الإمكانات المتوفرة وقلة الموارد وغيرها من الذرائع الأخرى، وما على المواطنين بحسب الحكومة إلا إظهار تعاونهم معها بهذا الشأن، ومع ذلك تدعي أن غايتها خدمة المواطنين!
فهل من فجاجة أكثر من ذلك؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1182
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2024 19:17