زيادة تعرفة الخدمات الطبية ومزيد من الفرز الطبقي للاستفادة منها!
يعافر المواطن في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والنفسية السيئة ليبقى متمسكاً بآخر حبال الحياة، لتأتي الحكومة وتقطعه ضاربةً بالمواطن ومُتطلباته وصحته بعرض الحائط!
فوسط واقع مأساوي من الغلاء والفقر، وانعدام الأمن الغذائي للأكثرية المفقرة من السوريين، تصدر القرارات الرسمية لتكرس الفقر والعجز والفرز الطبقي، بل أكثر من ذلك فعندما نتحدث عن قرارٍ حكومي ينص على رفع أسعار الخدمات المقدمة في المشافي (العامة والخاصة) فنحن نتحدث هنا عن مزيد من الإجحاف بحق الشعب المفقر والجائع والعاجز!
فهكذا قرارات تعمق المعاناة، ولاسيما في هذا الوقت الحرج الذي عجز فيه المواطن عن تأمين الطعام الذي يقيه وأسرته من الجوع، فكيف له أن يحافظ على صحته متوازنة تقيه من المرض، في وقت أصبح فيه لا يجرؤ على زيارة عيادة الطبيب إذا كشّر المرض عن أنيابه، ويكتفي باستشارة الصيدلاني وشراء بعض الأدوية الضرورية لإنهاء الألم أو تسكينه!
قرار جديد يكرس معاناة المواطن المفقر!
أصدرت وزارة الصحة بتاريخ 26/6/2024 التعرفة الجديدة للمعاينات الطبية وأجور المشافي بعد دراسة دامت أشهر، سبق أن مهدت لها بعض التصريحات الرسمية!
وككل مرة، وكما اعتدنا من حكومتنا، جاء قرارها ليسلب المواطن حقاً جديداً من حقوقه!
نص القرار على رفع التعرفة بنسبة تجاوزت 600٪، نسبة كبيرة جداً توضح لأي مدى وصل التفريط الحكومي بصحة المواطن، ولأي حد من الظلم وصلت سياسات تخفيض الإنفاق وإنهاء الدعم!
فوفق القرار حُددت معاينة الطبيب الممارس العام بمبلغ 25 ألف ليرة، ومعاينة الطبيب الأخصائي في العيادة بمبلغ 40 ألف ليرة، أما الطبيب المختص الذي تجاوزت ممارسته للمهنة 10 سنوات فقد حددت معاينته بمبلغ 50 ألف ليرة!
المبالغ أعلاه لم تكن مفاجأة، فقد سبق أن اعتمدها الأطباء منذ سنين، وبعضهم تجاوزها بأشواط في ظل غياب الرقابة الرسمية، لتصل تعرفة المعاينة لدى بعض الأخصائيين إلى مبالغ خيالية وصلت إلى 400-500 ألف ليرة!
والقرار لم يقف عند تحديد تعرفة المعاينة لدى الأطباء، بل شمل أيضاً تعديلاً لتعرفة الاستشارات الطبية المتضمنة الكشف على المريض لدراسة ملفه وكتابة تقرير عن وضعه الصحي لتصل إلى ما يعادل 150 ألف ليرة، وضاعف كذلك أجور الكشف الطبي في المنزل إذا كانت ضمن حدود المدينة، وإذا تجاوز ذلك تحدد حسب الاتفاق بين الطرفين!
فالقرار الرسمي أعلاه، بالرغم من أنه لم يصل إلى درجة شرعنة الأسعار المتعامل بها، لكنه في الوقت نفسه بوابة لفرض المزيد من الزيادة مستقبلاً!
وفي التفاصيل أيضاً نص القرار على اعتماد عدد الوحدات الجراحية المذكورة في القرار 79/ت لعام 2004 وتعديلاته، حيث تم تعديل سعر الوحدة الجراحية من 700 ليرة سورية إلى 5 آلاف ليرة، أي بنسبة تجاوزت 700٪، كما وتم تحديد الوحدة التخديرية بـ2000 ليرة!
فماذا يفعل المواطن؟
وأين يذهب المفقرون عند مرضهم؟
فالحكومة بعد سعيها الجاهد إلى تقزيم دور القطاع الصحي الحيوي والضروري والهام لحياة الناس، وخاصة المفقرين، تعمق خطوات خصخصته لتحويله إلى قطاع استثماري ربحي، على حساب صحة الناس وحياتهم!
الإقامة بالمشفى بنصف قيمة الإقامة بالفندق!
هل تُعتبر الإقامة في المستشفى رفاهيةً يختارها المريض، أم حالة اضطرارية يفرضها عليه وضعه الصحي استناداً لتوصية الأطباء؟
فوفقاً للقرار الحكومي المدروس تم تحديد أجور الإقامة في المستشفيات والأقسام الخاصة استناداً إلى تصنيف الغرف فيها، حيث تحسب بنصف السعر المحدد من وزارة السياحة لغرف الفنادق، وتشمل أجورها الإقامة والإطعام في جميع الغرف، وتعتمد أي تعديلات تصدر من وزارة السياحة، حيث يكون التصنيف غرفة درجة ممتازة وغرفة درجة أولى وغرفة درجة ثانية وغرفة درجة ثالثة، وذلك وفقاً للموجودات المطلوبة للإقامة ضمنها!
كذلك صنف القرار المستشفيات والمراكز الطبية وفق معايير تصنيف بقرار يصدر من وزير الصحة، على أن يرتبط سعر الوحدات الجراحية الواردة في التعرفة بدرجة تصنيف المستشفى أو المركز الطبي.
لم تكتفِ الجهات المعنية بهذا القدر من الظلم بل شملت بإجحافها أيضاً المواد والمستلزمات الطبية التي يحتاجها المريض، والتي تقرر احتسابها بموجب فاتورة صادرة عن المنشأة الطبية ووفق فاتورة البائع التي تم شراؤها من هذه المنشأة، أما الأدوية المصروفة للمريض، بما فيها كلفة الأدوية التخديرية، فيتم حسابها وفق القرار الناظم لتعرفة الأدوية الصادرة من وزارة الصحة، والتحاليل المخبرية تحتسب وفق القرار الناظم لتسعيرها الصادر من وزارة الصحة، وكذلك حدد القرار أجور غرفة العمليات في الساعة بنسبة 15% من مجموع سعر الوحدات للعمل الجراحي!
وبهذا السياق تجدر الإشارة إلى واقع وآليات العمل المتبعة بخصوص مشتريات المستلزمات الطبية والأدوية، وفواتيرها التي تتضمن المزيد من هوامش النهب والفساد غالباً، والتي يتم تحميلها للمريض بطبيعة الحال!
ولنا أن نتخيل بعد كل ما سبق المبلغ الواجب دفعه لقاء كامل الخدمة الطبية المقدمة للمريض، سواء في العيادات الخاصة، أو داخل المشافي، وخاصة العامة منها، بالمقارنة مع الأجور الهزيلة للغالبية الساحقة من المفقرين في البلاد!
الأرقام تؤكد حجم الكارثة!
المتأثرون سلباً بالقرار هم الملايين من المواطنين المفقرين، والجدول الآتي يبين عدد المستفيدين من خدمات مشافي وزارة الصحة ومشافي التعليم العالي خلال فترة امتدت من عام 2017 حتى عام 2021، بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء:
على الرغم من ضخامة عدد الخدمات الطبية المقدمة من قبل المشافي العامة، وضمناً هوامش التضخيم طبعاً، لكن من الواضح أن هناك تناقصاً بعدد المستفيدين من هذه الخدمات عاماً بعد آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا اعتمدنا في الجدول أعلاه السنوات التي تلت موجات الهجرة الكبيرة كي لا يتم التذرع بها لتبرير هذا التناقص!
بالمقابل فإن هذا التناقص يشير إلى مجموعة من العوامل المؤثرة فيه، اعتباراً من تدهور وتراجع القطاع الصحي العام بسبب السياسات الحكومية الممنهجة المرتكزة على تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الدعم والخصخصة المبطنة والمعلنة، انتهاءً بواقع المواطنين المعيشي السيء الذي يدفع بأولويات الغذاء على حساب الصحة التي تم إزاحتها من الأولويات بالنسبة للمفقرين!
ومع ذلك فإن المتأثرين بالقرار الجديد أعلاه هم هؤلاء الملايين من المفقرين والمعدمين الذين يلجؤون إلى خدمات المشافي العامة اضطراراً، فلا سبيل أمامهم لتخفيف آلامهم سوى هذه المشافي، رغم سوء الأوضاع فيها وتراجع خدماتها وتزايد تكاليفها!
فهل من المشروع التساؤل عن الانعكاسات السلبية للقرار الجديد أعلاه، بحيثياته وتفاصيله، على صحة هؤلاء المعدمين؟!
فالقرار بمضمونه على المستوى التنفيذي يعزز الفرز الطبقي على مستوى من يستطيع الحصول على الرعاية الصحية من المقتدرين، مقابل من لا يستطيع من الغالبية المفقرة، والدفع بهؤلاء تباعاً نحو المزيد من التدهور بوضعهم الصحي، وصولاً إلى الموت البطيء كسبيل وحيد للخلاص!
فهل هذه هي الرسالة الرسمية الموجهة للمفقرين؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1181