«دمشق عاصمة للطاقة المتجددة للعام 2035» فقاعة إعلامية بلا حوامل!

«دمشق عاصمة للطاقة المتجددة للعام 2035» فقاعة إعلامية بلا حوامل!

أخذ الاهتمام الرسمي بالطاقات المتجددة يزداد عاماً تلو الآخر، بالتوازي مع تراجع حجم إنتاج الطاقة الكهربائية في محطات التوليد (بغض النظر عن ذرائعها ومبرراتها)، ليس فقط من ناحية الزخم الإعلامي والتصريحات الرسمية، وإنما من ناحية القوانين والقرارات الصادرة والإجراءات المتخذة، والتي يعد أهمها انضمام سورية إلى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا)، وإحداث صندوق دعم الطاقة المتجددة، وغيرها!

وترافق ذلك مع رفع أسعار استهلاك الطاقة الكهربائية، سواء المنزلية أو لبقية الفعاليات والقطاعات الاقتصادية في البلاد، مع مساعٍ جادة لإجبار التجار والصناعيين على إنشاء مشاريع الطاقات المتجددة الخاصة بمنشآتهم، وتشجيع المواطنين عموماً على ذلك، تحت عناوين التشجيع على الطاقات المتجددة، وبين هذا وذاك تزايدت البدائل المكلفة، بما في ذلك الاستثمار النشط بالأمبيرات!

الحل السحري لا ينفي المصالح!

لا شك أن التحول باتجاه زيادة مشاريع الطاقات المتجددة النظيفة هو خطوة إيجابية، ولكن هل طريقة الحكومة بتجيير عجزها على عاتق المواطن، وتكبيده تكاليف وأعباء هائلة هي طريقة صحيحة؟
وهل إجبار الصناعيين بالإكراه على إنشاء مشاريع الطاقات المتجددة هو الحل الاقتصادي لسد النقص بالاحتياجات الطاقوية؟!
فهذا الاهتمام الرسمي الكبير بالطاقات المتجددة، وتصويرها على أنها الحل السحري لمشكلة الكهرباء، يثير الكثير من التساؤلات!
فهل مشاريع الطاقة المتجددة هي المنقذ الوحيد وحامل مستقبل الاقتصاد كما يروج المعنيون لها؟
وهل هذا الانفتاح على مشاريع الطاقات المتجددة هو نتاج تخطيط استراتيجي وإنمائي هدفه تحقيق تنمية مستدامة وتحسين الواقع الكهربائي، أم هو اعترافٌ رسميٌ بالعجز الحكومي عن تأمين حاجة البلاد من الكهرباء؟
أم هناك مصالح خاصة لبعض الجهات؟!

مؤتمر الاستثمار الثاني... وعود وأرقام!

بعد أن شهدنا المؤتمر الاستثماري الأول في الطاقة المتجددة عام 2022، والذي لم يثمر كما كان متوقعاً منه، جاء مؤتمر الاستثمار الثاني تحت عنوان «الاستثمار في الطاقة المتجددة والكهرباء محرك التنمية المستدامة في سورية»، والذي بدأ بتاريخ 12/6/2024 واستمر إلى يومين على مدرج جامعة دمشق!
تركزت محاور المؤتمر حول المصادر المتاحة للطاقات المتجددة في سورية، والفرص الاستثمارية لمشاريع الطاقات المتجددة، ومشاركة القطاع الخاص في مجال توليد الكهرباء، وتجارب بعض المنظمات الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى آليات تمويل مشاريع الطاقات المتجددة والتسهيلات المعتمدة للإقراض لدى المصرف المركزي، والمزايا الضريبية الممنوحة للاستثمار في هذا المجال، والتسهيلات المقدمة لاستيراد تجهيزات الطاقات المتجددة، وآليات التعاقد وفق قانون التشاركية (طبعاً دون الإتيان على ذكر الضميمة التي فرضت على ألواح الطاقة الشمسية، ولا كل التعقيدات التي ترافق الحصول على القروض، ولا حتى ارتفاع تكاليف إنشائها وتركيبها، فأبسط وأصغر منظومة شمسية منزلية تصل تكلفتها إلى ما يعادل 30 مليون ليرة)!
أكثر ما كان لافتاً في المؤتمر هو كلمة وزير الكهرباء الذي أوضح فيها «أن العام 2024 هو عام الاستثمار في الطاقات المتجددة، وخاصة في الطاقتين الكهروضوئية والكهروريحية، مؤكداً أنه سيتم خلال النصف الثاني من العام الحالي افتتاح مشاريع جديدة ريحية باستطاعة تتجاوز 200 ميغا واط، إلى جانب المشاريع الكهروضوئية الجديدة التي سيتم توقيعها اليوم على هامش المؤتمر، والتي ستصل استطاعتها إلى ما يقارب 600 ميغا واط».
كما وأوضح الوزير «أن البرنامج التنفيذي الخاص بالإستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة حتى عام 2030 يسير وفقاً لما هو مخطط له، وصولاً إلى تنفيذ استطاعة إجمالية كهروضوئية تصل إلى 2500 ميغا واط، بالإضافة إلى 1500 ميغا واط من مشاريع الطاقة الريحية، وإلى ما يقارب المليون و200 ألف سخان شمسي».
ليختم كلمته بالتأكيد على «أن الاستثمار في توليد الطاقة البديلة هو استثمار رابح، وسنعمل على تشجيعه ودعمه عبر السياسات أو التشريعات التي تهدف إلى إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما، وتوجيه العمالة الشابة باتجاه هذا القطاع والتنسيق الدائم بين القطاعات».
حديث الوزير المتفائل أعلاه يعني أنه حتى عام 2030، أي بعد 6 سنوات من الآن، ستكون حجم الإضافة الطاقوية 4000 ميغا من مشاريع الطاقات المتجددة، وهذه الإضافة بحال تم تنفيذها مع حجم التوليد من المحطات العاملة، المقدر بـ2000-2500 ميغا، سيكون بالمجموع 6500 ميغا، وهو حجم أقل من الاحتياج الفعلي الحالي للطاقة الكهربائية، والمقدر بـ8000 ميغا!
على ذلك فإن العجز الطاقوي سيستمر طيلة السنوات القادمة، ومن المؤكد أنه سيزداد بحال كان هناك تزايد في النشاط الاقتصادي (الصناعي والتجاري والخدمي) كما يتم الترويج، ومقابل ذلك سيتزايد الاعتماد على البدائل الطاقوية الأخرى المكلفة، مع ما يعنيه ذلك من مصالح وأرباح تصب في جيوب البعض من كبار أصحاب الأرباح، مستوردين ومستثمري مولدات الأمبير!
فهل يمكن الحديث عن «محرك التنمية المستدامة في سورية» وفقاً للأرقام التفاؤلية أعلاه؟!

تساؤلات على هامش المؤتمر!

المضي قدماً في مشاريع الطاقة المتجددة، سواء الشمسية أو الريحية، يحتاج إلى توفر مجموعة من العوامل، أهمها توفر القدرة المالية على تمويل هذه المشاريع التي تعد كلفتها مرتفعة مقارنة بإنتاج الطاقة عبر المحطات الحرارية التي تعمل على المشتقات النفطية، بالإضافة طبعاً إلى تكاليف الصيانة المستمرة، ولعل الأهم هو توفر الاستقرار الاقتصادي والبيئة الآمنة لمشاريع الاستثمار بالطاقات المتجددة، والتي لا يمكن حصرها بالقوانين والتشريعات فقط، ولا بالمزايا والإعفاءات، بما في ذلك القروض والإعفاءات الضريبية!
فهل هذه العوامل باتت متوفرة فعلاً كي تبنى عليها الخطط والاستراتيجيات المتفائلة بمشاريع الاستثمار بالطاقات المتجددة؟!

تذكير لا بد منه!

يدور الحديث الرسمي المتفائل عن انتاج 4000 ميغا عبر مشاريع الطاقات المتجددة حتى عام 2030، وذلك بحسب البرنامج التنفيذي الخاص بالاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة!
مقابل ذلك وبحسب المعطيات ففي عام 2023 تم إنتاج أول ميغاواط من الطاقة الشمسية في حمص بالمدينة الصناعية بحسياء، وهو مشروع يستهدف إنتاج 10 ميغاواط، وكشف المسؤول في المدينة الصناعية عن تقدّم شركات جديدة بطلب لتخصيص 130 هكتاراً لإنتاج 130 ميغاواط من الكهرباء الشمسية، كما وتم الإعلان عن تنفيذ مشروع في مدينة الشيخ نجار في حلب بقدرة 45 ميغاواط، بعد أن كان 30 ميغاواط، ومشروع بالمدينة الصناعية في عدرا بقدرة 100 ميغاواط، بالإضافة إلى الاتفاق مع شركة صينية لتنفيذ مشروع طاقة شمسية لإنتاج 36 ميغاواط من الكهرباء في بداية العام الجاري 2024.
أي بالكاد سيصل حجم الإنتاج الطاقوي من مشاريع الطاقات المتجددة 300 ميغا حتى نهاية العام الحالي، بحال تم استكمال التنفيذ وفقاً لما هو مخطط على الورق!
فبعد كل التهليل لمشاريع الاستثمار بالطاقات المتجددة على مدى الأعوام السابقة كانت هذه هي النتيجة الفعلية المتواضعة!
وبحال استمرار الوضع على ما هو عليه على مستوى الإنجاز فإن الوصول إلى تحقيق «الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة حتى عام 2030» هي ضرب من ضروب الخيال الرسمي ليس إلا!
أما الأكثر خيالاً من ذلك فهو إطلاق شعار «دمشق عاصمة للطاقة المتجددة للعام 2035»، كفقاعة إعلامية لا تتوفر حوامله!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1181