العيد والتشوهات المكرسة لإنهاء طقوسه!

العيد والتشوهات المكرسة لإنهاء طقوسه!

أعباءٌ كبيرة قتلت فرحة العيد للكبير قبل الصغير، وضربت قلوب الفقراء قبل جيوبهم الفارغة!

فقد حل عيد الأضحى هذا العام ثقيلاً ومُنهكاً لمعظم السوريين؛ خاصةً مع غياب العديد من المظاهر والطقوس التي اعتادوا عليها وأحبوها نظراً لارتفاع الأسعار والظروف المعيشية الصعبة!
فهذا العام ليس استثناءً، فمنذ أعوام لم يشعر السوريون بفرحة العيد نتيجة عجزهم عن تأمين مختلف احتياجاته ومستلزماته، من ثياب وأغذية وحلويات!
فالعيد في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة أصبح مجرداً من فرحته وطقوسه، مجرداً من مشاعر الناس تجاهه، ولكنه لم يتجرد من تكاليفه المتضخمة في ظل انكماش وتآكل الأجور وانعدام القدرة الشرائية للمفقرين، في تشوه فرض شذوذه، مكرساً ابتلاع الطقوس الاجتماعية المحببة فيه!

عجز واغتراب عن طقوس العيد!

ما هو العيد ومعظم الأسر عاجزة أمام متطلبات هذه المناسبة؟
أساساً ما هو العيد دون ضحكات الأطفال؟
فما وصلت إليه الأوضاع المعيشية من تدهورٍ وبؤسٍ وعوزٍ، أجبرت المواطن السوري على الاغتراب عن أكثر الطقوس ارتياحاً وتحبباً، وعن أكثر المناسبات ألفةً!
تجولنا في أسواق العيد التي كانت تعج بالمشاهدين فقط، فالناس لم تعد تقوى على التسوق، ومعظم الأسر اختصرت كميات الحلويات!
فمن كان يشتري كيلو من الشوكولا أصبح يشتري تشكيلة سكاكر ونوكا، والمعمول بات منسياً ومن الذكريات!
هذا ما أكده رئيس جمعية الحلويات والبوظة بسام قلعجي لـموقع «أثر برس» بتاريخ 12/6/2024 حيث قال: «الطلب على الحلويات والشوكولا متدنٍ بشكل كبير بسبب الغلاء، حيث ارتفعت أسعار الحلويات عن عيد الفطر الماضي بنسبة 100%... نتيجة غلاء المكسرات والجوز واللوز وحوامل الطاقة والسمنة والسكر، لذلك فإن حركة السوق لا تتعدى 30%»!
كما أضاف: «ما يقارب 60% من ورشات الحلويات متوقفة عن العمل بسبب انخفاض الطلب ونتيجة قلة أعداد المستهلكين، ووضع الكهرباء، وارتفاع أسعار المواد الأولية من سكر وطحين وزيوت ومكسرات وغيرها... وإن الإقبال على الأنواع الشعبية أكثر من غيرها نظراً لانخفاض سعرها، فالمواطن بات يسأل عن الأنواع ذات العدد الأكبر من القطع والسعر الأقل، ورغم ذلك يشتري ربع احتياجه»!
لم يقتصر العجز على هذا الحد بل تعدى ذلك ليشمل وليمة العيد، هذه السفرة التي اعتادت الأسرة التحلق حولها كطقس اجتماعي، مصحوبة بالكثير من الأحاديث والغبطة والامتنان، فحتى هذه الوليمة افتقدها السوريون منذ أعوام!

سيران العيد ذهب وولى!

الفسحة في العيد نوع من أنواع الترفيه التي اعتادها السوريين، كارتياد المطاعم والكافيهات أو حديقة الملاهي ومدينة الألعاب، إلا أن الظروف المعيشية القاهرة حالت دون ذلك فقد باتت تكلفة نزهة العيد (سيران العيد) تفوق طاقة معظم الأسر، كيف لا وقد قاربت نصف المليون ليرة بحدها الأدنى، أي ما يعادل ضعف راتب الموظف تقريباً!
رغم ذلك قصدت بعض الأسر محدودة الدخل المنتزهات الشعبية، والتي رغم ارتفاع أسعارها عن العام الماضي إلا أنها أرحم نسبياً من المطاعم والكافيهات!
حيث بلغت أجرة الكرسي للشخص الواحد بين 3 إلى 5 آلاف ل.س، وأجرة الطاولة تراوحت بين 2 إلى 5 آلاف ل.س، إضافة إلى ذلك، من الممكن تقديم بعض المشروبات الساخنة؛ فمثلاً سعر كأس الشاي 4000 ل.س!
تبدو الأسعار أعلاه مناسبة بالمقارنة مع الإمكانيات المادية لبعض الأسر التي تستطيع إدخال مأكولاتها دون دفع مبالغ إضافية، إلا أن الأغلبية العظمى من المفقرين آثرت البقاء في المنزل مرغمةً لعدم قدرتها على تحمل هذه المبالغ المتواضعة!

ألعاب العيد للمترفين!

تعتبر ألعاب العيد ضمن المناطق الشعبية في دمشق الملاذ الوحيد لمحدودي الدخل، حيث تشهد إقبالاً كثيفاً نظراً لتواضع تكاليفها، مع أن الأسعار ارتفعت إلى الضعف منذ عيد الفطر الماضي، فقد كانت أجرة الركوب في الأراجيح بالمناطق الشعبية تتراوح بين 1500 إلى 2000 ليرة، أما اليوم فأصبحت 3000 ليرة لمدة دقائق معدودة، أما الألعاب الكهربائية فتراوحت أجرة الاستمتاع بها بين 5000 إلى 7000 ليرة للعبة الواحدة ولمدة خمس دقائق، مما يجعلها غير متاحة للكثير من الأسر!

أضاحي العيد تتقلص!

عادةً ما يبدأ معظم المقتدرين بشراء أضاحي العيد قبل أسبوع من الموعد الذي يجب أن تُذبح فيه، وكعادة الأعوام الماضية ترافق بدء شراء الأضاحي مع ارتفاع أسعارها، حيث وصل سعر الذبيحة الواحدة إلى 5 ملايين ليرة كحد أدنى، وصولاً إلى ما يتعدى 10 ملايين ليرة بحسب الحجم والوزن!
وبحسب رئيس جمعية اللحامين في دمشق محمد الخن في تصريحه لـصحيفة تشرين بتاريخ 11/6/2024: «إن سعر الأضحية ذات الحجم الصغير يتراوح ما بين 5-7 ملايين ليرة، مؤكداً ضعف الإقبال على شراء الأضاحي هذا العام، مرجعاً السبب في ذلك إلى الغلاء وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، فلا يوجد سوق إلى حد الآن وما يقارب 90% من اللحامين لم يشتروا الأضاحي إضافة إلى انخفاض نسبة رخص الذبح للربع تقريباً».
كما وقد كشف رئيس جمعية اللحامين بدمشق لـموقع «أثر برس» بتاريخ 17/6/2024 عن انخفاض عدد الأضاحي في دمشق خلال اليوم الأول من عيد الأضحى لتصل إلى نسبة تتراوح بين 20–25% عن عددها بالعام الماضي!
فهذا الطقس الإيثاري بات مقتضباً، وأكثر تقلصاً وتشوهاً، فبمشهد حزين يصطف الآلاف من الرجال والنساء والأطفال أمام الجمعيات الخيرية، منتظرين حصتهم من الأضاحي، التي قد لا يتجاوز وزنها 200 غرام، حيث تنتظر العديد من الأسر المفقرة مثل هذه المناسبات متمنية أن تظفر بقطعة لحم ولو صغيرة، بعد أن حرموا منها نتيجة سياسات الإفقار التي اعتمدتها الحكومة غير المكترثة بحال الفقراء والمفقرين!

مزيد من التشوهات الاستغلالية!

بالإضافة إلى كل ما سبق من تشوهات طالت العيد وفرحته وطقوسه، مع عوامل الاستغلال التي تتزايد خلاله، إلا أن التشوهات لم تقف عند هذه الحدود فقط!
فمن جملة مشاهدات العيد المشوهة والمستمرة من عيد إلى آخر كان للمفرقعات حصتها، ولبنادق ومسدسات الخردق مصابوها، أما الأكثر تشوهاً أن بعض الكافيهات فسحت المجال لاستقبال اليافعين والأطفال فيها دون أسرهم، وبغاية التكسب والحصول على المزيد من الأرباح الاستغلالية لم تمانع تقديم الأراكيل لهؤلاء الفتية الصغار، في مخالفة فاقعة للقوانين والأعراف والتقاليد، بما في ذلك طقوس العيد!
وللأسف فقد مر هذا العيد أيضاً حزيناً فقيراً فارغاً وخاوياً من مظاهر الفرح والغبطة، حاله كحال أهله مترعٌ بالهموم والأعباء، ودون أن يرف للحكومة جفن طبعاً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180