بفعل التضخم والاستغلال المشرعن... فقدت المأكولات شعبيتها!

بفعل التضخم والاستغلال المشرعن... فقدت المأكولات شعبيتها!

الأطعمة التي دائماً ما وصفت بأنها شعبية لم تعد تحمل هذه الصفة، خاصة بعد الارتفاعات الجنونية لأسعارها، مقارنةً مع القدرة الشرائية للغالبية المفقرة من السوريين، وكل هذا في ظل غياب الرقابة وانفلات الأسواق والتغطية على جشع واستغلال حيتان السوق!

واقعٌ مأساوي، وجد المواطن المعدم نفسه فيه مُحارباً بلقمة عيشه من كبار التجار والمتحكمين بالأسواق، وبرعاية رسمية وغير رسمية، مما خلق الكثير من التساؤلات!
فمع كل مُتغير سعري، رسمي وغير رسمي، على السلع في الأسواق، وخاصة الغذائية، يتساءل المواطن: من المسؤول عن هذه الارتفاعات المتلاحقة؟ وأين هي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من مسؤولياتها الفعلية تجاه حماية المستهلك؟ وأين دور أجهزة مديرياتها على مستوى ضبط المخالفات والتلاعبات بالأسعار في السوق؟
فماذا بقي للأسرة السورية المفقرة لكي تستر به نفسها أمام واقع الحال المعيشي المعدم، وفي ضوء الحرب المعلنة صراحةً تجاهها؟

ماراثون ارتفاع الأسعار غير المنتهي!

شهد العام الماضي ارتفاعات سعرية هائلة طالت أسعار كل السلع والمواد، وخاصة الغذائيات والمأكولات الشعبية التي تجاوزت نسبة 100%!
فقرص الفلافل، الذي كان يقدم كضيافة مجانية، ختم عام 2023 بسعر قارب 400 ليرة، وقد تجاوز سعر هذا القرص عتبة 500 ليرة الآن، وفي بعض المحال وصل إلى عتبة 700 ليرة، معلناً وبشكل شبه رسمي أن سندويشة الفلافل لم تعد زاداً للموظف، ولا فطوراً للطالب، ولا غداءً للعامل، بل غدت رفاهية للأسر المفقرة، حيث تجاوز سعرها عتبة 8000 ليرة الآن!
وليكتمل مسلسل جنونية الأسعار غير المنتهي، أكد رئيس جمعية المطاعم والمأكولات الشعبية بدمشق، كمال النابلسي- منذ ما يقارب الشهر والنصف عبر وسائل الإعلام- على قيام الجمعية برفع مقترح لزيادة أسعار المأكولات الشعبية بذريعة ازدياد التضخم وارتفاع التكاليف، حيث قال: «التكاليف المادية على المأكولات زادت وتضخّمت أكثر من السابق، وخاصة مع ارتفاع مستلزمات المواد الداخلة في صناعة المأكولات والزيوت، فضلاً عن غلاء أسعار حوامل الطاقة، ومختلف مستلزمات محلات السندويش».
وبموجب الدراسة المقدمة، فان الزيادة السعرية المطلوبة كانت بنسبة 25%!
وبالفعل تمّت الموافقة على هذا المقترح من قبل مديرية حماية المستهلك بدمشق (التي درست التكاليف بدقة)، ولكن تمّ رفضه من قبل محافظة دمشق!
وحسب ما جاء على لسان مصدر في محافظة دمشق لتلفزيون الخبر الأسبوع الماضي «أن الأسعار تحتاج إلى دراسة أكثر، وهي غير مبرّرة». وقد تم الردّ، بحسب المصدر «بدراسة المقترحات نتيجة دخول مواسم الحمص والفول، والانتظار ريثما تنتهي».
رد محافظة دمشق على مقترح الجمعية أثار استغراب رئيس جمعية المطاعم والمأكولات الشعبية بدمشق، الذي رد بالمقابل: «إن الأسعار التي تمّ رفعها ليست كبيرة، وهي زيادة 6 آلاف ليرة على السعر القديم لمادة المسبحة، بعدما كانت بسعر 24 ألف ليرة، لتصبح 30 ألفاً، وتحديد سعر سندويشة الفلافل بـ 7500 ليرة».
بدايةً، وقبل التطرق لما يثير الاستغراب فعلاً، نتساءل:
هل الزيادة التي طالبت بها الجمعية، والبالغة نسبة 25٪ على الأسعار المعتمدة بموجب آخر نشرة سعرية، هي مبلغ تافه وبسيط حقاً ليُعبر عنه بعبارة «الأسعار ليست كبيرة وهي زيادة 6 آلاف ليرة على السعر القديم...»؟
أم أن الهدف تقزيم الكارثة المتمثلة بحرمان المواطن المفقر من المأكولات الشعبية وتجويعه؟
أما المثير للدهشة، فهو قبول جمعية حماية المستهلك ووزارة التموين عبر مديريتها بدمشق بهذه النسبة من الزيادة السعرية، في حين رفضتها المحافظة، في انزياحٍ لدور حماية المستهلك من الوزارة المعنية إلى المحافظة!
فهل بات دور حماية المستهلك من واجبات المحافظة، بعد وضوح تنصّل وزارة حماية المستهلك من مسؤولياتها، تكريساً لتغييب الدور الفعال المفترض للدولة ولجهاتها المعنية؟!
فبغض النظر عن المبررات والذرائع حول التكاليف المرتفعة، ومدى مطابقة هذه التكاليف مع الأسعار المقترحة من قبل الجمعية وفقاً لنسبة الزيادة المطلوبة بما يعادل 25%، فإن قيام محافظة دمشق برفض مقترح زيادة الأسعار، الذي أقرته ووافقت عليه جمعية حماية المستهلك والوزارة المعنية، يؤكد صحة تشكيك المواطنين بجميع النشرات السعرية التي تصدرها الجهات الرسمية بذرائعها ومبرراتها، ويدفعهم للتساؤل المشروع عن حقيقة وفاعلية حماية المستهلك، وهل مصالح المواطن ما زالت محمية ومأخوذة بعين الاعتبار من قبل من يدعي حمايته من الجهات الرسمية؟

استباحة الاستغلال وصولاً للمغامرة بصحة المستهلك!

دائماً تتناقض الأسواق بواقعيتها مع التصريحات الرسمية، ومع النشرات السعرية الرسمية!
فواقع الأسواق يقول: إن أسعار الفلافل والفول والمسبحة والمعجنات و... تجاوزت الأسعار في النشرة الرسمية، التي من المفترض أنها مطبقة بأشواط، كما تجاوزت أيضاً الأسعار المقترحة من قبل الجمعية قبل اعتمادها وصدورها رسمياً!
حيث يباع كيلو المسبحة حالياً بما يعادل 32000 ليرة، وصولا ً إلى 36000 ليرة، أي أن السعر الحالي للمادة في الأسواق تجاوز التسعيرة التي قدمت ضمن المقترح وتم رفضها من المحافظة، والتي بلغت وفق تصريحات رئيس جمعية المطاعم والمأكولات الشعبية بدمشق 30000 ليرة!
فعلى ماذا يدل هذا، وإلى أي مدى تؤثر النشرات السعرية للجهات المعنية على الأسواق؟
من الواضح، أن النشرات السعرية الرسمية، القديمة والمستجدة، ما هي إلا شرعنة للأسعار الاستغلالية المتداولة والمفروضة في السوق، وبات من المتوقع إثر صدور أي نشرة سعرية رسمية أن يطرأ ارتفاع مجدد على الأسعار، انتقالاً من عتبة سعرية إلى عتبة سعرية أعلى، في سيناريو مكرر من المقترحات والمطالبات والذرائع التي يتم القبول بها رسمياً لشرعنتها، وهكذا...!
فالنشرات السعرية الرسمية، وكما اعتدنا عليها، هي بوابة شرعنة لزيادة الأسعار في الأسواق لا أكثر ولا أقل، أما مصلحة المستهلك وحمايته فقد باتت من المنسيات، وتحولت لعبارة إعلامية غير ذات قيمة على ألسنة الرسميين، الذين يعملون من أجل تيسير وتسيير مصالح حيتان الأسواق فقط لا غير!
فهل الجهات المعنية بمنأى عمّا يحدث في الأسواق، أم أنها تتقصد التغيب المتعمد عنها، فاسحة المجال لممارسة أبشع أشكال الاستغلال فيها، ليس على مستوى الأسعار فقط، بل وعلى مستوى الجودة والمواصفة والمصدر، وصولاً إلى عدم الصلاحية للاستهلاك، أي الإضرار المباشر بصحة المستهلكين؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179