مشروع تشاركي يبصِر النور... والنور في البيوت لم يبصَر!

مشروع تشاركي يبصِر النور... والنور في البيوت لم يبصَر!

خلال جلسة الحكومة بتاريخ 4/6/2024، وفيما يتعلق بموضوع التشاركية، أثنى المجلس على جهود الكوادر الوطنية التي أنجزت عمليات الصيانة في محطة توليد الكهرباء في دير علي، وطلب من وزارة الكهرباء التوسع في صيانة وإعادة تأهيل محطات أخرى وفق قانون التشاركية.

الثناء الحكومي أعلاه، مع الطلب من وزارة الكهرباء التوسع بالعمل وفق قانون التشاركية لصيانة وإعادة تأهيل محطات أخرى، كان تتويجاً للزيارة التي قام بها رئيس الحكومة لمحطة دير علي بمحافظة ريف دمشق بتاريخ 30/5/2024، لتفقد مراحل الإنجاز والعمل في أول مشروع تشاركي بين القطاعين العام والخاص في مجال الكهرباء!
وأوضح رئيس مجلس الوزراء في تصريح للصحفيين خلال الزيارة التفقدية أن نهج التشاركية هو نهج استراتيجي معتمد في سورية، وهو ضروري ومهم في مختلف المجالات ومنها الكهرباء. وبيّن أن نجاح مبدأ التشاركية في محطة دير علي يدفعنا إلى التفكير بالتشاركية في أماكن أخرى مثل محطتي تشرين وحلب، معتبراً أن قمة العمل الرابح هي التشاركية عندما تكون مبنية بشكل صحيح ويحصل كل طرف على حقه، وعندما تكون المصلحة واحدة من خلال إنجاز العمل بشكل دقيق وفي وقت قصير.
فهل يمكن اعتبار مشروع التشاركية في محطة دير علي ناجحاً، وعلى أي أساس؟!

توضيحات!

مشروع التشاركية في محطة دير علي الذي تفقده رئيس الحكومة يتضمن إعادة تأهيل وتشغيل وإدارة المحطة، وإنشاء مجموعة جديدة باستطاعة 700 ميغا واط، ليبلغ مجموع الاستطاعة الكلية للمحطة 2100 ميغا واط عند استكمال العمل بشكل نهائي.
وأوضح وزير الكهرباء أن عقد التشاركية هو الأول في سورية الذي أقر بنهاية العام 2022 وتم وضعه موضع التنفيذ في 27 شباط عام 2023 بهدف إعادة تأهيل وتشغيل القسمين الأول والثاني، والتوسع بإنشاء قسم ثالث باستطاعة 700 ميغا واط بالمحطة لإنشاء عنفتين غازيتين إضافة إلى عنفة بخارية بمدة تنفيذ ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنه عند وضع العقد بالتنفيذ تم إيقاف المجموعات مباشرة وتأمين قطع التبديل وبعد تنفيذ الصيانات عادت المجموعات إلى استطاعتها العظمى بوثوقية عالية، وموضحاً أن محطة دير علي رئيسية ومهمة جداً ويشكل إنتاجها ثلث إنتاج سورية من الكهرباء.

عقد مبهم ولم يستكمل التنفيذ!

الحديث عن التشاركية (التي أخرجت الزير من البير) يثبت أن محطة دير علي كانت بحاجة لعمليات صيانة ولتأمين بعض التجهيزات وقطع التبديل اللازمة لذلك فقط، مقابل ذلك هناك تأكيد بأن الأعمال التي تم تنفيذها جرت من خلال جهود الكوادر الوطنية العاملة بالمحطة، ومع ذلك فإن الأعمال المتفق عليها مع الشركة المحظية التي تعمل بموجب قانون التشاركية لم تنتهِ بعد وفقاً لحيثيات العقد الموقع معها، بحسب حديث وزير الكهرباء أعلاه، وبالتالي ربما من المبكر الحديث عن نجاح هذه التجربة التشاركية، وصولاً إلى طلب تعميمها على محطات أخرى، مثل حلب وتشرين!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مفردات وتفاصيل العقد المبرم مع الشركة المحظية لم يتم نشرها أو تداولها، وجل ما هناك القليل مما يرشح بين الحين والآخر بهذا الصدد، بما في ذلك الحديث أعلاه عن (إعادة تأهيل وتشغيل وإدارة المحطة)، ما يعني أن الأمر لن ينتهي بانتهاء عمليات الصيانة وإعادة التأهيل لمحطة دير علي، بل سيستمر بالإدارة إلى أجل غير واضح السقوف الزمنية، وربما الأكثر من ذلك ما هو مغيب على مستوى استثمار الكميات المولدة من المحطة بالمحصلة وبسقف 2100 ميغا واط، والتي قيل إنها تشكل ثلث الاحتياجات من الطاقة الكهربائية، حيث لم تتضح تفاصيلها بحال من الأحوال حتى تاريخه، وغيرها من التفاصيل التي يفترض أنها حيثيات عقدية بموجب قانون التشاركية!
ولعل الأهم من كل ذلك أن مضمون الحديث عن كميات إضافية من الطاقة المولدة عبر محطات التوليد، أو تكرار الوعود المعسولة بذلك، ليس له أي أثر على مستوى ساعات الوصل والقطع التي يعاني منها المواطن، فالوضع على ما هو عليه من سوء وتردٍّ بما يخص آليات التزود بالطاقة الكهربائية المخصصة للاستهلاك المنزلي!

العمالة الكفوءة والإدارة المرنة!

أما ما تجدر الإشارة إليه فهو حديث المدير الفني العام لشؤون محطات التوليد المهندس محمد خير الإمام، الذي أوضح أن المحطة كانت بحاجة إلى صيانة وقطع تبديلية وشركة (إنفنيتي سكاي لايت) تمكنت من تأمين القطع التبديلية وإنجاز الصيانة العامة للمحطة وفق المواصفات العالمية، لافتاً إلى أن عملية الصيانة حافظت على المحطة وعلى العمالة الموجودة فيها وحسنت من أوضاعهم، ولا سيما أن الاختصاصات الموجودة في المحطة كفوءة!
التوضيح أعلاه يؤكد أن التشاركية كانت من أجل القيام بعمليات الصيانة، ومن أجل تأمين القطع التبديلية، أما عن التنفيذ فقد كان بالعمالة الموجودة والكفوءة في المحطة!
بعبارة أخرى كان من الممكن القيام بتنفيذ تلك العمليات بحال تم السعي لتأمين القطع التبديلية اللازمة، سواء عبر عقود توريد من قبل القطاع الخاص، أو من خلال التوريد المباشر من قبل الدول الصديقة، بعيداً عن مبررات وذرائع العقوبات والحصار، ودون الخوض في تجربة التشاركية من أصلها!
ويبقى الفارق التوضيحي الأهم وهو أن الشركة قامت بتحسين أوضاع العمالة التي قامت بتنفيذ العقد التشاركي، أو بالأحرى تلك العمالة الكفوءة التي اختارتها الشركة من إجمالي العاملين في المحطة لهذه الغاية، مقابل التحسين الذي أقرته الشركة على مستوى حقوق هؤلاء بالأجور والتعويضات، متخطية بمرونة قانون التشاركية الذي تعمل في ظله القوانين الرسمية الخاصة بأجور وتعويضات العاملين في قطاع الدولة، وبما حقق امتيازاً لهؤلاء بالمقارنة مع أقرانهم الذين ما زالوا يعملون في المحطة بأجورهم وتعويضاتهم الرسمية والهزيلة نفسها!

الإرادوية المجيَّرة لمصلحة الخصخصة!

على ذلك فإن التباهي بنجاح التجربة التشاركية وفقاً للسياق أعلاه، فيه اعتراف مباشر بالإجحاف الكبير الذي تعاني منه العمالة في قطاع الدولة على مستوى أجورها وتعويضاتها، وبالرغبة الإرادوية من الرسميين التي تريد منح القطاع الخاص امتياز المرونة، مقابل التصلب المفروض على إدارات القطاع العام المحكوم بالقوانين الظالمة، وبما يحقق الغاية النهائية بتكريس الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في هذا القطاع، وخاصة في بعض القطاعات الهامة، مثل الكهرباء، مع الإعلان الرسمي عن النية بتوسيع ذلك!
فالنهج التشاركي الذي تحدث عنه رئيس الحكومة أعلاه بأنه استراتيجي لا يعني إلا المزيد من التفريط بالقطاعات العامة تباعاً، وخاصة تلك الهامة والكبيرة والرابحة، ولتبقى بقية القطاعات تأكلها أمراض التصلب والتموّت البطيء!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178