الشركات المشتركة الزراعية وأملاك الدولة الخاصة... مصير غير واضح!
خلال جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 28/5/2024 اعتمد المجلس الآلية التنفيذية لتأسيس الشركات المشتركة الزراعية، والدليل الإجرائي لتأسيس الشركات المشتركة الزراعية (مساهمة مغفلة)، وذلك بهدف تشجيع هذه الشركات ومنحها المرونة الكافية لتنفيذ نشاطاتها.
لكن لم يتم نشر الآلية التنفيذية والدليل الاجرائي على أي موقع رسمي حتى تاريخه، على الرغم من اعتمادها من قبل الحكومة بحسب ما ورد أعلاه!
والحديث عن الشركات الزراعية المساهمة المشتركة يفتح المجال للحديث عن أملاك الدولة الخاصة، باعتبار أن الأراضي التي تملكها وزارة الزراعة تعتبر جزء من هذه الأملاك، وبالتالي ربما تفرض الضرورة الحديث عن هذه الأملاك!
بعض الحيثيات القانونية!
صدر القانون رقم /40/ لعام 2023، الذي يجيز تأسيس شركات مساهمة مغفلة مشتركة تعمل في مجال القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، بتاريخ 26/12/2023.
وبحسب الفقرة (أ) من المادة (2) من القانون أعلاه «تسهم الدولة ممثلة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بالشركات المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون بمقدمات عينية بنسبة لا تقل عن (25%) خمس وعشرين بالمئة من رأسمالها».
وبموجب الفقرة (ب) «يجب ألّا يقل رأسمال الشركة عن 50000000000 ل.س، خمسين مليار ليرة سورية».
وبموجب الفقرة (ج) من المادة نفسها «تطرح الأسهم التي تفيض عن مساهمة القطاع العام المحددة في قرار تأسيس الشركة على الاكتتاب العام، ويجوز لجهات القطاع العام المتخصصة أن تغطي الأسهم التي لم يتم الاكتتاب عليها».
ونصت المادة (3) على ما يلي: «مع مراعاة حدود الملكية الزراعية المنصوص عليها في قوانين الإصلاح الزراعي وقانون الملكية الزراعية، يحدد الحد الأقصى لملكية كل مساهم مع زوجه أو أزواجه وأولاده القصّر (5%) خمسة بالمئة من أسهم رأس مال الشركة».
توزيع نسب المساهمة
إن مساهمة الدولة ممثلة بوزارة الزراعة بمقدمات عينية، بنسبة لا تقل عن 25%، يعني غالباً المساهمة بالأراضي التي تدخل ضمن توصيف «أملاك الدولة الخاصة»، وهي بدورها مرتبطة ومحكومة بمجموعة من القوانين النافذة، وبما يعادل قيمة تقديرية لهذه الأراضي كمقدمات عينية لا تقل عن 12,5 مليار ليرة لكل شركة يتم إحداثها بموجب القانون!
مقابل ذلك فإن بقية الأسهم التي ستطرح للاكتتاب العام لكل شركة محدثة، هي بسقف أعلى وقدره 75% من إجمالي الأسهم، وعلى أقل تقدير قد يتم توزيعها على 15 مساهماً فقط بواقع 5% كسقف حيازة للأسهم، ولقاء مبلغ تأسيسي، أو مقدمات عينية، لا يقل عن 2,5 مليار ليرة لكل منهم!
قوانين ذات صلة!
بتاريخ 28/12/2023 صدر القانون رقم (43) لعام 2023 القاضي بإحداث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى (الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة) مقرها دمشق، بهدف حماية وإدارة أملاك الدولة الخاصة وصيانتها واستثمارها على الوجه الأمثل.
وبحسب المادة (4) من القانون أعلاه تتولى الهيئة تنفيذ أحكام قانون أملاك الدولة رقم (252) لعام 1959، وقانون الإصلاح الزراعي رقم (161) لعام 1958 وتعديلاتهما.
على ذلك فإن إحداث شركات زراعية مشتركة سيكون محكوماً بعمل الهيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مروحة عمل الهيئة ومسؤولياتها على مستوى إدارة أملاك الدولة الخاصة أوسع من أملاك وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الخاصة.
ورشة حوارية رسمية حول إدارة أملاك الدولة الخاصة!
أقامت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بتاريخ 30/5/2024 ورشة عمل حوارية حول إدارة أملاك الدولة الخاصة في جامعة دمشق، بهدف تمكين الهيئة العامة لإدارة أملاك الدولة المحدثة بموجب القانون 43 لعام 2023 من تنظيم إدارة وحماية واستثمار أملاك الدولة على وجهٍ فعال يؤدي إلى دور جديد لهذه الأملاك في دعم الاقتصاد الوطني، ورسم السياسات والبرامج التي يمكن تطبيقها لتحقيق ذلك.
وأشار وزير الزراعة والإصلاح الزراعي خلال الورشة، بحسب صحيفة البعث بتاريخ 30/5/2024 إلى أنه «يوجد لدينا 11,5 مليون هكتار أملاك دولة، بما يعادل نسبة 62% من مساحة القطر».
وكذلك أوضح الوزير، بحسب وكالة سانا بتاريخ 30/5/2024 أن «إدارة أملاك الدولة تقع على عاتق مجموعة من الوزارات لأن أملاك الدولة الخاصة ليست فقط الأراضي المسجلة وفق قانون أملاك الدولة في وزارة الزراعة وقانون الإصلاح الزراعي، بل الكثير من العقارات تمتلكها الجهات العامة الأخرى سواء بالاستملاك أو بالشراء وغيره، وكل هذه العقارات تديرها كل جهة بذاتها، مبيناً أن هناك مجموعة كبيرة من القوانين والبلاغات الناظمة للعمل في أملاك الدولة».
وسبق لقاسيون أن أفردت مادة تحت عنوان: «الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة... هيكل حكومي جديد... للخصخصة المبطنة أم للتفريط باسم الاستثمار!»، بتاريخ 19/3/2023، بينت فيها ما هي أملاك الدولة الخاصة المستهدفة بالحماية المفترضة، ومما ورد فيها: (فعبارة «حماية وإدارة أملاك الدولة» ربطاً مع عبارة «واستثمارها بما يحقق موارد ثابتة ودائمة للخزينة العامة للدولة»، ووفقاً للنهج الحكومي التفريطي المعمول به، تعني أن الحكومة ماضية بسياسات الخصخصة، المباشرة وغير المباشرة، تحت عناوين الاستثمار وبذريعة الموارد، وبما يضمن المزيد من المصالح لكبار أصحاب الأرباح طبعاً، وهذه المرة على حساب كل أملاك الدولة الخاصة!).
فعلى الرغم من تأكيد الوزير على أن أملاك الدولة قوة يجب أن يكون لها صيغة استثمارية بحيث يتم استثمار الأراضي وإدارتها بعيداً عن التمليك والاستثمار المفرط لها، بل المحافظة عليها وتأطيرها وفق خطة واضحة تضعها الحكومة، إلا أن محاور الورشة كانت أوسع من ذلك!
فقد قدم معاون الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء للشؤون القانونية عرضاً لنتائج عمل لجنة القرار 1340 والدراسة المعدة حول أملاك الدولة الخاصة والصكوك القانونية الناظمة لماهيتها وإدارتها واستثمارها وحمايتها وأنواع العقارات التي تدخل في شمولها وتوصيف أوضاعها الحالية.
وتم خلال الورشة طرح عدد من الأفكار حول مشروعات تعود بالنفع على إيرادات أملاك الدولة، من أبرزها مشروعات الطاقة المتجددة، وهي موضوع ملحّ ومهم في ظل وضع الكهرباء الحالي، ومشروعات توليد الطاقة الريحية من التوربينات، بالتنسيق مع وزارة الكهرباء، لدراسة الأراضي وتقديمها للمستثمرين من خلال إعداد خريطة لهذه الأراضي.
على ضوء كل ما سبق يبدو أن مصير الشركات الزراعية المشتركة مرتبط بمصير عمل الهيئة العامة لإدارة أملاك الدولة الخاصة ودورها على مستوى مسؤولياتها المعنونة بحماية هذه الأملاك، مقابل الطروحات والضغوط الممارسة لاستثمار هذه الأملاك بقوة وضمانة القوانين والتشريعات الصادرة، ويبقى التساؤل مشروعاً حول ضمان استمرار المحافظة على أملاك الدولة الخاصة في ظل النمط السائد من التعاطي التفريطي الرسمي بمقدرات البلاد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1177