بورصة اللحوم بتصاعد والمواطن ضحية برعاية رسمية!

بورصة اللحوم بتصاعد والمواطن ضحية برعاية رسمية!

مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطن المفقر يوماً تلو الآخر، نتيجة سياسات الإفقار الرسمية المتبعة، واستمرار مسلسل الارتفاعات السعرية في الأسواق، الذي لم ينتهِ بعد دون رقيب أو حسيب، وتزايد عدد المواد والسلع التي خرجت من قائمة مُستهلكات الأسرة، والتي غدت من ضمن الكماليات بالنسبة للكثيرين، ومنها: اللحوم الحمراء!

فحسب التصريحات شبه الرسمية، عن لسان رئيس جمعية اللحامين بدمشق، فقد انخفض معدل استهلاك اللحوم الحمراء في دمشق لأكثر من 50%، ولعل النسبة في بقية المحافظات لا تقل عن ذلك!
وقد كان قرار تصدير الأغنام الصادر مؤخراً أحد الأسباب التي ساهمت بشكل مباشر بزيادة انخفاض معدلات استهلاك اللحوم، حيث صرح رئيس جمعية اللحامين محمد يحيى الخن بالقول: «أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت بطبيعة الحال عقب البدء بتنفيذ قرار تصدير الأغنام»!
في السياق ذاته، صرح رئيس جمعية اللحامين في اللاذقية عبد اللـه خديجة لصحيفة «الوطن» بالقول: «قبل نحو ست سنوات كانت اللاذقية تضحي بحوالي 3 إلى 5 آلاف رأس غنم، وبعد ارتفاع الأسعار تراجعت تدريجياً 10% في كل عام، حتى وصلت العام الماضي إلى ما بين 1500 إلى 2000 رأس فقط»!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن قاسيون سبق لها أن تحدثت عن قرار تصدير الأغنام، بالتوازي مع قرارات السماح لبعض الشركات المحظية باستيراد الأغنام والعجول بغرض التسمين وإعادة التصدير، وانعكاس ذلك على زيادة الأسعار والتنافس على الأعلاف، وعلى تراجع قدرة المستهلك الشرائية، وذلك بمادة حملت عنوان: «شركات محظية تحتكر استيراد وتصدير الأغنام والعجول»، والتي نشرت بتاريخ 19/5/2024.

ارتفاعات سعرية كبيرة خلال فترة قصيرة!

أوضح رئيس الجمعية الحرفية للحامين يحيى الخن لـموقع «أثر برس» بتاريخ 28/5/2024: «أن أسعار الغنم الحي ارتفعت بمقدار 7 آلاف ليرة سورية منذ عيد الفطر وحتى اليوم، والرقم مرشح للزيادة، لكن بشكل عام يمكن القول: إن سعر الأضحية من الأغنام يتراوح بين 5,5–6 ملايين ليرة سورية (في حال كان وزن الخروف 55 كيلو وهو أقل وزن) علماً أن سعره كان العام الماضي يبلغ نحو 3 ملايين ليرة سورية، ما يعني أن سعر الأضحية من الأغنام وصل للضعف هذا العام»!
وفيما يخص الأضاحي من العجول، فقد أوضح الخن أن «سعر العجل وصل لنحو 18 مليون ليرة سورية»!
أسعار الجملة أعلاه لا علاقة لها بالأسعار في الأسواق التي تزيدها بنسب كبيرة!

أسعار من كوكب آخر!

مما لا شك فيه، أن استهلاك اللحوم الحمراء بات حكراً على بعض فئات المجتمع المقتدرة منذ سنين، خاصةً بعد بلوغ أسعارها حدوداً خيالية بعيدة كل البعد عن واقع المواطن المفقر محدود الدخل وقليل الحيلة!
جالت قاسيون في بعض الأسواق الشعبية راصدةً أسعار اللحوم فيها، وفيما يلي جزء من أسعار ما تم رصده، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأسعار التالية هي الأدنى في الأسواق التي تم رصدها!
فقد بلغ كيلو الغنم الحي 87 ألف ليرة، أما كيلو الغنم الهبرة فتجاوز 280 ألف ليرة، وكيلو الغنم الهبرة مع نسبة 25٪ دهون تراوح بين 220 إلى 240 ألف ليرة، وكيلو الغنم المسوفة مع نسبة 50٪ دهون تجاوز 160 ألف ليرة!
في حين سجل كيلو العجل الحي 65 ألف ليرة، أما كيلو العجل الهبرة فتجاوز 200 ألف ليرة، وكيلو المسوفة قارب 150 ألف ليرة بحده الأدنى!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأسعار خاضعة لمتغيرات السوق اليومية، المتحكم بها من قبل كبار التجار وحيتان السوق، دون أدنى مستوى من الرقابة عليها، بذريعة العرض والطلب!
فالتهليلات والتصريحات الرسمية حول خفض الأسعار وتوفير المادة على ضوء قرارات استيراد الأغنام والعجول وتصديرها، ماهي إلا تُرّهات وفقاعة إعلامية لتبرير الحرمان الذي فرضته الحكومة على المواطن المفقر من جهة، ولشرعنة المزيد من النهب والاستغلال في الأسواق من جهة ثانية!
فراتب الموظف الحكومي بالكاد يغطي سعر 2 كغ مسوفة غنم أو عجل، وهو ما يشكل عجزاً حقيقياً عن استهلاك اللحوم الحمراء بالنسبة للشريحة المفقرة!

أغنام حيّة أم ذبائح كاملة أم لحوم مجمدة!

عبّر رئيس جمعية اللحامين في دمشق يحيى الخن عن استغرابه بشأن قرارات السماح باستيراد الأغنام الحية، حيث قال: «لم يسبق لسورية أن استوردت الأغنام الحيّة منذ نحو 20 عام، إذ إن استيرادها له شروط خاصة، وكلف كبيرة من علف وأجور شحن وثمن الخراف وغيره، بينما الأوفر والأفضل هو استيرادها بشكل لحوم مجمدة، إذ كانت العادة تجري أن يتم إرسال لجنة للتأكد من ذبح الأغنام في بلد المنشأ على الطريقة الإسلامية واستيرادها لحوماً مجمدة». مشيراً الى أن: «جمعية اللحامين طالبت منذ شهر بالسماح باستيراد اللحوم إلا أنها لم تتلق رداً على طلبها بعد»، وذلك بحسب موقع أثر برس بتاريخ 18/5/2024.
وضمن هذا السياق أكد رئيس جمعية حماية المستهلك عبد العزيز معقالي: «إن الجمعية أيضاً طالبت مرات عدة باستيراد اللحوم المجمدة بشكل ذبائح كاملة لضمان عدم حصول غش فيها، مع التأكد من مطابقتها للمواصفات السورية. فإن استيراد الأغنام على شكل لحوم مجمدة أفضل من الاستيراد بشكلها الحي».
فبعد استحالة استهلاكه لحم غنم العواس المحلي، فإن الخيارات المطروحة أعلاه جميعها لن تكون ذات أثر إيجابي بالنسبة للمستهلك المفقر!
فلا استيراد الأغنام الحيّة سيخفض السعر، ولا الذبائح الكاملة أو اللحم المجمد ستكون أسعارها قريبة من القدرة الشرائية للمفقرين، وذلك لسبب بسيط أن المحظي المتحكم بالاستيراد هو نفسه المتحكم بالأسواق كما جرت العادة!
ومع إغلاق كل ممكنات شراء اللحوم الحمراء من الأسواق، تبقى حصص الأضاحي المحدودة والضئيلة، التي قد يحصل عليها جزء من الأسر المفقرة لتسد به شهوة أبنائها خلال عيد الأضحى القادم، هي الفرصة الوحيدة المتاحة أمام هؤلاء لاستهلاك اللحوم الحمراء، بينما ستبقى غالبية الأسر المفقرة محرومة منها برعاية رسمية!

سوابق ومفارقات!

أشار رئيس الجمعية الحرفية للحامين إلى أن تزامن موسم الحج وعيد الأضحى مع فترة السماح بتصدير الأغنام، أدى إلى أمور يشهدها السوق لأول مرة، مثل: ارتفاع سعر الذبيحة الأقل وزناً من 50 كيلو مقابل تلك التي يزيد وزنها عن 50 كيلو، والسبب في ذلك يعود إلى الرغبة في تربية الأغنام كي تكسب وزناً زائداً، وبالتالي تحقق عائداً أكبر من تلك المعدة للذبح، مشيراً إلى أن سعر كيلو لحم الخروف الذي وزنه أكثر من 50 كيلو نحو 90 ألف ليرة سورية، بينما تحت الـ 50 كيلو فيبلغ سعر الكيلو منه 110 آلاف ليرة سورية على خلاف العام الماضي، إضافة لانخفاض عدد الذبائح اليومي إلى 300 ذبيحة يومياً، وهو ما لم تشهده السوق سابقاً، ولم تكن موجودة خلال العام الماضي، مرجعاً السبب إلى السماح بتصدير الأغنام وبدء موسم الحج في وقت واحد!
ولمزيد من المفارقة، فقد لفت رئيس الجمعية الحرفية الى «أن سعر الخاروف في سورية أعلى منه في بعض الدول المجاورة، إذ يصل إلى 5 ملايين تقريباً داخل البلاد، بينما يقارب الـ 3 ملايين ونصف خارجها»!
المفارقات أعلاه ربما تبيّن حجم التحكم الكبير بالأسواق والأسعار من قبل حيتان السوق الكبار، كما تعكس ربما كمية المهربات الكبيرة من رؤوس الأغنام إلى الأسواق المجاورة، عدا عن كمية التصدير عبر القنوات الرسمية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177