في جرمانا... إرهاق الطوابير قدر يلاحق أصحاب الأجور!

في جرمانا... إرهاق الطوابير قدر يلاحق أصحاب الأجور!

الطوابير ظاهرة ليست بجديدة اعتادها المواطن السوري عموماً، وسكان مدينة جرمانا خصوصاً، مع الكثافة السكانية الكبيرة التي تعاني منها المدينة مقابل تردي وسوء خدماتها!

فمع بدء اليوم الـ15 من كل شهر تبدأ معاناة الآلاف من المتقاعدين في المدينة، المتضخمة سكانياً والمحدودة خدمياً، كي يستلموا رواتبهم التقاعدية من الصرّافات المحدودة، بطوابيرها الطويلة وشديدة الازدحام، لينضم إليهم الآلاف الإضافية من الموظفين بعد 5 أيام، أي عند الـ20 من كل شهر، ولتمتد هذه الحالة من الازدحام الشديد على الصرافات إلى أكثر من 15 يوماً في كل شهر، وربما أكثر من ذلك، ليتسنى للمتقاعدين المسنين والموظفين المعدمين سحب رواتبهم الشحيحة، التي باتت أشبه بخرجية يستهلك صرفها ثوانيَ معدودة، بينما سحبها من الصراف قد يستهلك أسبوعاً متواصلاً من الذهاب والإياب والوقوف والانتظار!

الصرافات الآلية... تسهيل أم تعقيد؟!

الهدف الأساسي من خدمة الصرافات الآلية وتوطين رواتب الموظفين والمتقاعدين هو الاستعاضة عن حمل النقود لتخفيف حالات النشل والسرقة، حيث يستطيع المواطن سحب ما يلزمه من نقود متى يشاء وبالقدر الكافي لسد حاجته من خلال الصرافات الآلية المنتشرة في الشوارع وفي أي وقت من جهة، ولتسهيل عملية مراقبة أرصدة الحسابات، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للإيداع النقدي أو حتى تحويل الأموال بين الحسابات المصرفية، طبعاً في حال كانت هذه الصرافات موضوعة بالخدمة، وكانت برمجياتها مؤهلة للقيام بالمهام العديدة التي من المفترض أن تتمتع بها!
لكن وفق برنامج التقنين في مدينة جرمانا فساعات الكهرباء، والمتمثلة بساعتين فقط، من الساعة 12 ظهراً حتى الواحدة ظهراً، ومن السادسة حتى السابعة مساءً، وذلك خلال الوقت الممتد من الساعة السابعة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً، فإن هاتين الساعتين لا تفيان بتقديم الخدمة ليقوم عشرات آلاف الأشخاص بسحب مستحقاتهم من الصرافات خلال مدة 15 يوماً، أي بما يعادل 60 ساعة تشغيل فقط، خاصة وأن عدد الصرافات الآلية في جرمانا لا يتجاوز الخمسة (اثنان للعقاري واثنان للتجاري، بالإضافة إلى فرع المصرف التجاري في ساحة الشهداء)!
ولا تتوقف المشكلة هنا، فرغم التقنين الكهربائي الجائر وقلة أعداد الصرافات، إلا إنك قد تكون من المحظيين في حال وجدت هذه الصرافات على قلتها تعمل!
نعم وللأسف فمعظم الأحيان تعاني هذه الصرافات المحدودة من عطل في الشبكة أو نفاد في النقود، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بالصيانات الدورية، وهنا يضطر المواطن للبحث عن صراف آخر موضوع بالخدمة، أو للعودة ثانيةً في اليوم الآتي، ثم في اليوم الآتي... وهكذا!
وأحياناً وبسبب ضعف الإنترنت وترهل الشبكة تفشل عملية السحب بعد إدخال كل المعلومات المطلوبة، فبعد الانتظار لساعات طويلة أمام الصراف يضطر المتقاعد أو الموظف للعودة مرة ثانية وثالثة، هذا إن لم يتم ابتلاع بطاقته من الصراف، ما يضطره لمراجعة المصرف لاستعادتها، وهذا يعني وقتاً مهدوراً إضافياً، وتعباً وجهداً ونفقات غير محسوبة!
وفي حال نفدت النقود من الصرافات العاملة والموضوعة بالخدمة يوم الخميس فلا تتم تغذيتها إلا يوم الأحد الآتي، باعتبار يومي الجمعة والسبت عطلة أسبوعية رسمية!
فاستلام الراتب الشهري، الذي لا يتعدى 300 ألف ليرة، قد يستغرق من يومين إلى أسبوع، مع مشاق وتعب هذه المدة بالتزاحم والمشاحنات، مع فترات الانتظار الطويلة، وهي للمفارقة أطول بكثير من الوقت الذي ينفَق فيه هذا الراتب الشحيح!

مأساة معممة!

طوابير الصرافات ليست حكراً على مدينة جرمانا فقط، بل مرض الطوابير متفشٍّ في المحافظات والمدن والأرياف جميعها، سواء على أجهزة الصراف أو أجهزة الخدمة الذاتية، كما تفضل شركتي المحمول تسميتها!
وهنا نتساءل أليس من المفترض أن التحول الرقمي والتقني وجد لتوفير الوقت والجهد على المواطن؟!
فهل طوابير الصرافات بواقعها البائس الحالي تنم عن توفير في الوقت والجهد؟
فقد أصبح استلام الراتب هماً جديداً يُضاف إلى حزمة من هموم تأمين الاحتياجات الأساسية والمعيشية، وكأنه لا تكفي طوابير الخبز والغاز والمحروقات!

حل مشكلة الصرافات لا يكفي منفرداً!

في ظل هذا الواقع المتردي والبائس قررت إدارتا المصرفين العقاري والتجاري شراء عدد من الصرافات الجديدة «الديجيتال» لتخفيف الضغط الحاصل على الصرافات حالياً، والقيام بتوزيع أجهزة الصراف الآلي في مراكز ومكاتب البريد الموجودة في الأرياف والقرى التي لا توجد فيها صرافات بغية حل مشكلة الطوابير والازدحام.
النوايا المعلنة أعلاه من قبل المصرفين الحكوميين إيجابية ومطلوبة بحال تم تنفيذها، لكنها بالرغم من ضرورتها لا تكفي وحدها لحل المشكلة التي يعاني منها مئات الآلاف من أصحاب الأجور والاستحقاقات على طول البلاد وعرضها، هذا بحال كان عدد الصرافات التي سيتم شراؤها من قبل المصرفين كافياً أصلاً!
ففي ظل استمرار المعاناة من تردي وسوء شبكة الإنترنت، ومع استمرار المعاناة من غياب الطاقة الكهربائية، فإن مصير عمل الصرافات الجديدة لن يكون أفضل من سابقاتها، توقفاً عن الخدمة وخروجاً منها!
فإن لم يتم التنسيق مع وزارة الكهرباء من أجل عدم قطع التيار الكهربائي عن الصرافات، فالحد الأدنى يجب أن يتم تزويدها بمصدر طاقة متجددة بما يفسح المجال لتعمل ساعات أطول يومياً، وهو ما تشجع وتؤكد عليه الحكومة صباحاً ومساءً، ومن خلال كل لقاء وتصريح رسمي!
أما عن سوء وتردي شبكة الإنترنت فهذا أمر بعهدة وزارة الاتصالات والهيئة الناظمة للاتصالات والحكومة من خلفهما، وأيضاً بالحد الأدنى، بحال عدم التمكن من معالجة أسباب سوء وتردي خدمة الإنترنت بشكل نهائي، أن يتم الربط مع شبكات الخليوي تبادلاً، حسب توفر الخدمة الأفضل من أحدهما، وهو أمر ممكن ومتاح تقنياً بحسب ما هو مفترض، شرط توفر النوايا لتنفيذ ذلك!
فهل هذه الإجراءات صعبة على المصارف والحكومة ووزاراتها؟!
وهل سيبقى الحال على ما هو عليه من تردٍّ وسوء يدفع ضريبته مئات آلاف المسحوقين في البلاد من أصحاب الأجور الهزيلة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177