تداعيات أزمة المواصلات على مستقبل طلاب الشهادات!
بدأت امتحانات شهادات التعليم الأساسي والثانوية العامة بتاريخ 26/5/2024، وبدأت معها أوجه المعاناة المعتادة، سواء بالنسبة للطلاب أو بالنسبة لذويهم، وقد كانت مشكلة المواصلات إحدى المشكلات لهذا العام أيضاً، على الرغم من بعض المبادرات الجزئية والمحدودة لحلها، من قبل بعض الجهات الرسمية أو من خلال المجتمع الأهلي!
فالعد التنازلي لإنهاء العمليات الامتحانية بدأ، لكن شحنات القلق والتوتر والخوف كانت بدأت بالتزايد قبل ذلك بكثير، ولن تصل ذروتها إلا مع نهاية الامتحانات نفسها!
أزمة المواصلات سبب لتوتر مضاعف!
تشكل امتحانات شهادة التعليم الأساسي والثانوية العامة مرحلة مفصلية هامة في حياة الطلاب ومستقبلهم التعليمي، فعلى أساس نتيجتها يتحدد مستقبل هؤلاء، وعليه يزداد خوفهم من الامتحانات وترتفع معدلات التوتر والرهبة منها، وكذلك مستويات توتر ذويهم وخوفهم على أبنائهم كما على مستقبلهم!
لكن هذا العام التوتر مضاعف نتيجة أزمة المواصلات التي تعاني منها جميع المحافظات، وهنا يزداد توتر الطالب ومعاناته!
ففي كل صباح هناك شحنات مستجدة من التوتر والقلق المتزايد لدى الطلاب وذويهم ارتباطاً بالمقدرة على الوصول إلى المراكز الامتحانية بالموعد المحدد، وهذا مرتبط بتوفر المواصلات طبعاً!
فهل سيظفر الطالب بمقعد في وسيلة المواصلات العامة، وكم سينتظر ليحظى بهذا الامتياز؟
وهل تكفي نصف ساعة، أو ربما ثلاثة أرباع أو ساعة، للانطلاق قبل موعد الامتحان للوصول قبل بدئه؟! لا أحد يعلم!
وفي حال أنه لم يستطع الطالب تأمين نفسه بوسيلة مواصلات عامة، فهل يستطيع تحمل تكلفة سيارة أجرة ستقارب 50 ألف ليرة على أقل تقدير؟!
وهنا يعيش طالبنا حالة من المعاناة والقلق قبل امتحانه للظفر بمقعد في وسيلة النقل ليستطيع الوصول إلى المركز الامتحاني المحدد له، أما في حال تأخره فقد يحرم من التقدم لهذه المادة، مما يعني رسوبه بها، وتغير مستقبله كلياً!
الوزارة معنية بكل شيء إلا بالمواصلات!
وبصرف النظر عن أزمة المواصلات المستمرة، والتي عجزت الحكومة عن إيجاد حلول جذرية لها، فماذا فعلت وزارة التربية لتخفيف عناء الطالب وضمان وصوله المريح إلى المركز الامتحاني؟ والجواب لا شيء...!
فتصريحات وزارة التربية بما يخص الترتيبات والإجراءات المتبعة والمعممة من خلالها على المراكز الامتحانية من أجل ضمان حسن سير العملية الامتحانية كانت قد شملت مثلاً تجهيز المراكز الامتحانية، والتنسيق مع وزارة الصحة لرفد المراكز الامتحانية بكوادر صحية وبسيارات إسعاف تحسباً لأي طارئ، وكذلك التنسيق مع وزارة الاتصالات من أجل قطع الاتصالات الخليوية وشبكة الإنترنت خلال فترة الامتحانات، بالإضافة إلى العديد من الابتكارات الجديدة، مثل نظام الباركود الامتحاني لكل طالب، مع الكثير من التأكيدات على العقوبات الامتحانية وكيفية التعامل مع كل مخالفة، لكن ما غفلت عنه الوزارة هو التنسيق مع الجهات المعنية من أجل تأمين وسائل المواصلات للطلاب لضمان وصولهم إلى مراكزهم الامتحانية في الموعد المحدد!
فما فائدة الكاميرات والباركود وكل ما سبق، وطالبنا يعاني في سبيل تحصيل وسيلة نقل؟!
فهل ستراقب الكاميرا نفسها في حال عدم وصول الطلاب نتيجة أزمة المواصلات التي لا ذنب لهم بها حتى يدفعوا مستقبلهم ثمناً لها؟!
وهل من الصعب على وزارة التربية الطلب من المحافظات تشغيل المزيد من وسائل المواصلات خلال ساعات الصباح قبل الموعد الامتحاني، أو الطلب من وزارة النفط زيادة مخصصات وسائل المواصلات، أو وقف تخفيضها بالحد الأدنى خلال فترة الامتحانات؟!
مناشدات رسمية متأخرة!
خلال جلسة مجلس الشعب بتاريخ 21/5/2024 ناقش الأعضاء مضمون القرار الوزاري الصادر بخصوص تقديم طلاب الشهادات العامة امتحاناتهم في مراكز المدن بالمحافظة، معتبرين أن القرار ظالم بحق الطلاب وذويهم، لأنهم مضطرون لقطع مسافات طويلة من أجل الالتحاق بمراكز امتحاناتهم، وهذا يكبّد الأهالي تكاليف إضافية، إذ إن طلاب الضمير وجيرود مثلاً سيقدمون امتحاناتهم في القطيفة، قاطعين مسافة طويلة، وغيرهم سيقدم امتحاناته في الزبداني... وأضافوا أن توزيع المراقبين أيضاً غير عادل، ويكبدهم الكثير من المشقات والمتاعب!
وكرر مجلس الشعب يوم الخميس 23/5/2024 مطالب عدد من أعضائه بالعمل على زيادة أعداد المراكز الامتحانية المعتمدة لتقديم امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي في أرياف المحافظات البعيدة عن مراكز المدن، وذلك لتخفيف عبء التنقل عن الطلاب وتيسير وصولهم من وإلى مراكزهم الامتحانية، إضافة إلى زيادة تعويض طبيعة العمل للعاملين في القطاع التربوي!
لا شك أن المناشدات والمطالبات أعلاه لن تجد طريقها للعلاج من قبل وزارة التربية، فقد أتت متأخرة هذا العام!
لكن ذلك لا يعفي الوزارة من مسؤوليتها حيال هذه المطالبات، فهي ليست جديدة، ففي كل عام هناك مطالبات شبيهة، لكن وزارة التربية لا تأخذها على محمل الجد، بل ولم تبذل أي جهد يذكر لمعالجتها، لا بما يخص بعد المراكز الامتحانية عن سكن الطلاب والمدرسين المكلفين بالمراقبة، ولا بما يخص التعويضات!
مبادرات رسمية وأهلية لحل المشكلة جزئياً!
صرح مدير الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق وريفها محمد أبو أرشيد لصحيفة الوطن مطلع الأسبوع الماضي أن الباصات جميعها والمقدر عددها بـ100 جاهزة للعمل على نقل الطلاب والتلاميذ إلى مراكزهم الامتحانية، خاصة بين ريف دمشق والعاصمة، وانطلاق عمل الباصات وأول رحلة بدءاً من الخامسة صباحاً، مع تخصيص 10 باصات لنقل عدد من المراقبين والمصححين من ريف دمشق إلى المركز في العاصمة، وذلك بناء على طلب محافظة ريف دمشق.
التصريح أعلاه تعبير عن تجاوب من قبل شركة النقل الداخلي مع مطلب محافظة ريف دمشق لتخديم الطلاب والمراقبين خلال فترة الامتحانات، وذلك لا شك يحسب لمبادرة محافظة الريف وتجاوب شركة النقل الداخلي معها!
وفي طرطوس أبصرت بعض المبادرات الأهلية النور، وظهرت كالمنقذ للعديد من الطلاب من خلال تأمين وسائل نقل مجانية ذهاباً وإياباً إلى المراكز الامتحانية، وقد لاقت استحساناً من الطلاب وذويهم.
ولكن ماذا عن باقي المدن والمحافظات، بما فيها من أرياف كثيرة ومترامية؟
وهل تكفي بعض المبادرات الأهلية والجزئية لحل أزمة مستمرة وعميقة كأزمة المواصلات المعممة؟!
وأين الحكومة ودورها ومسؤولياتها وواجباتها؟!
الحكومة غير مبالية!
جزء هام من أزمة المواصلات سببه قلة المشتقات النفطية وتخفيض كمية المخصصات لكل محافظة، وهي من مسؤوليات وواجبات الحكومة مجتمعة وزارة النفط منفردة!
مقابل ذلك فإن عدد الطلاب والطالبات الذين سيتقدمون لامتحانات شهادة التعليم الثانوي لهذا العام هو 558,865 طالباً وطالبة بحسب تصريحات وزارة التربية، وأكثر من ذلك هي أعداد الطلاب والطالبات الذين سيتقدمون لامتحانات شهادة التعليم الأساسي، وهؤلاء بغالبيتهم سيعانون من مشكلة المواصلات في مدنهم وبلداتهم ومحافظاتهم، وبعضهم لا شك سيدفع ضريبة عدم وصوله إلى المركز الامتحاني بالموعد المحدد بسبب أزمة المواصلات على حساب تعبه وجهده ومستقبله!
وربما بالحد الأدنى كان يفترض بتوجيه من الحكومة، بناء على طلب من وزارة التربية أو من قبل وزارة الإدارة المحلية، الإعلان عن إعادة المخصصات وزيادتها خلال فترة الامتحانات لضمان توفر المواصلات، مع فرض عقوبات على وسائل المواصلات التي تمتنع عن العمل خلال ساعات الصباح بالحد الأدنى، مع مراقبة خطوط سير هذه الوسائل، فالإمكانية باتت متاحة لذلك، لكن حتى ذلك الحد الأدنى لم يتم على الرغم من إمكانية تحقيقه ولو بشكل نسبي في الكثير من المحافظات!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1176